الرجوع للعدد الخامس
حفظ هذا المقال فقط
التنمية الاقتصادية في العراق
خالد عليوي العرداوي
تدريسي في كلية القانون - جامعة كربلاء - معاون مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات
لاشك إن الواقع الاقتصادي العراقي يعاني من مشاكل كثيرة جدا ابتداء من انهيار البنية التحتية وضعف الشريحة الوسطى الضرورية وصولا الى استشراء الفساد الاداري وغياب النزاهة وتولية غير الأكفاء .ان هذا الواقع يترافق مع وجود عملية سياسية مشلولة ولكن تحمل في طياتها امالا عريضة ببناء دولة الرفاهية والقانون التي يراد لها ان تكون نموذجا باهرا في المنطقة ،وهذا الامر يتطلب بذل جهود كبيرة من اجل اقامة بنية اقتصادية صلبة يمكن ان تساعد في تحقيق الاستقرار السياسي وترفد الدولة بالموارد الضرورية لتحقيق أهدافها وشل وتعطيل اهداف اعدائها والمتربصين بها،لذا جاء إصدار كتاب )التنمية الاقتصادية في العراق: مشاكل وحلول( كجزء من نشاط القسم الاقتصادي في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية للنهوض بالواقع الاقتصادي العراقي.

وهذا الكتاب هو ثمرة جهد مشترك بين كل من الاستاذ الدكتور حاكم محسن محمد والمدرسة المساعدة هدى زوير الدعمي المنتسبين لكلية الادارة والاقتصاد في جامعة كربلاء ،ويتكون الكتاب من ثلاثة فصول ،كتب الفصل الاول منها الدكتور حاكم محسن ،اما الفصلان المتبقيان فقد جاءا بتوقيع الباحثة هدى الدعمي.

واهتم الفصل الأول بدراسة مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول النمور الآسيوية اذ تم اخذ كل من ماليزيا وكوريا الجنوبية كنموذج ومقارنة أوضاعهما بالوضع العراقي من خلال دراسة مؤشرات الدخل القومي الإجمالي، ومعدل دخل الفرد ،والناتج المحلي الإجمالي، ونصيب الفرد من الناتج القومي الاجمالي ،وميزان المدفوعات، والميزان التجاري،وأجمالي تكوين رأس المال الثابت ومقارنة هذه المؤشرات بالواقع الاقتصادي العراقي ،للاستفادة من التجربة الآسيوية في النهضة العراقية و كنا نتمنى على الباحث التوسع اكثر في دراسته تعميما للفائدة وزيادة في الوضوح.وتطرق الفصل الثاني الى قضية البطالة في العراق حيث جرى التعريف بالبطالة لغة واصطلاحا وواقعها في العراق الذي تبين انها وصلت الى مديات خطيرة تتراوح بين 65ـ70% من قوة العمل الفعلية في حين نجد ان هذه النسبة هي 14% في ايران و9,2 % في مصر و1,1% في الكويت و15% في الاردن ،مما يدل على خطورة الوضع العراقي وحراجته، والأسباب كثيرة يمكن الاطلاع عليها في الكتاب ،ولهذه البطالة انواع كالبطالة الاحتكاكية والموسمية والاختيارية والجبرية والمقنعة والهيكلية.

وهذه البطالة بأنواعها المختلفة تترك تأثيرات كارثية على الواقع الاقتصادي والاجتماعي العراقي ليس ادل عليه ماذكرته الباحثة بقولها: يشعر العاطلون بالإحباط واليأس وعدم الانتماء للدولة، فتنتشر الجريمة بأنواعها وخاصة في صفوف العاطلين الذين لايتلقون اعانة بطالة... ويكون واقع البطالة... اشد على القطاعات الاضعف في المجتمع، وهم الفقراء والنساء ،اضف لذلك الانحرافات الفكرية وانتشار الشعور بالحقد والبغضاء نحو الطبقات التي تحيا في بحبوحة من العيش وكلما طالت فترة التعطل كلما صار ضررها جسيما حيث تؤثر تاثيرا سلبيا على المواهب الفنية والعقلية للعامل فتضمحل مهاراته بل يفقد الانسان ميزة التعود على العمل وإتقانه وينحط مستواه.

والعاطلون كما تشير الباحثة يشكلون عبئا ثقيلا على انفسهم وعائلاتهم والمجتمع وخزينة الدولة، إضافة إلى كونهم مركز توتر اجتماعي قابل للانفجار في كل لحظة، ويمكن استغلالهم من قبل القوى التي لاتريد الاستقرار والخير للبلاد. وقد قدمت الباحثة عددا من التوصيات والحلول الجديرة بالملاحظة فيما يتعلق بقضية البطالة.

  أما الفصل الأخير من الكتاب فتناول موضوعا مميزا وهو الاستثمار في التعليم كمدخل لدعم عملية التنمية الشاملة المستدامة انطلقت فيه الباحثة من فرضية تقول :ان للتعليم دور رئيس في صنع الحضارة وبناء الانسان وتنمية الموارد البشريةالتي هي أساس التنمية الشاملة وان قلة التحصيل التعليمي ورداءة نوعيته يؤدي إلى التخلف الاقتصادي والاجتماعي. وجرى التأكيد على هذه الفرضية من خلال صفحات الفصل ،اذ التأكيد على ضرورة الاستثمار الفاعل في مجال التعليم لان محو الامية يتبعه تحسين اداء العمل الذي يؤدي إلى ارتفاع الطاقة الانتاجية وهذا بدوره سيتبعه نمو الإنتاج وبالتالي زيادة الدخل وارتفاع مستوى المعيشة مما يقود الى تحقيق التنمية البشرية المؤدية الى التنمية الشاملة.

فالتعليم ضروري لانه اداة لاكتساب التقانة ويجب ربطه بسوق العمل واعتباره حقا انسانيا يهدف إلى تحسين وضع الافراد والمجتمعات ،وأشارت الباحثة إلى انه إذا كان القرن العشرون هو قرن الشهادات ،فأن القرن الحادي والعشرين هو قرن الكفاءات فقد فقد اصبحت الشركات والمؤسسات تعطي قدرا اكبر من الاهتمام للكفاءة والخبرة لدى منتسبيها ،وعليه فان الممارسة والمهارة والخبرة العملية تعد اليوم اساسا لتقييم العاملين.

هذه الحقائق التي اوردتها الباحثة دفعتها إلى الحث على ضرورة الاهتمام بالقطاع الخاص وان يكون له دور في استقطاب المتعلمين. وبالانتقال إلى الوضع العراقي وردت معلومات محزنة وبالنسب المؤوية مما يشير الى فداحة الضرر الذي تركته العقود الثلاثة الاخيرة  على واقع التعليم في هذا البلد الذي تراجع ليكون من اكثر دول المنطقة تخلفا، وانتهى الفصل بتوصيات وآراء مهمة للنهوض بالتعليم في العراق جديرة بالتمعن فيها من المسؤولين والمهتمين.

إن هذا الكتاب بما انطوى عليه من معلومات وآراء  ومقترحات جدير بالاقتناء من قبل القراء ويعكس حرص الجهة الناشرة على نجاح العملية السياسية القائمة في البلد والرامية الى بناء النظام السياسي الديمقراطي الحر من خلال رفد صناع القرار بالبحوث والدراسات التي تؤشر مواقع الخلل في كافة المجالات والسبل الكفيلة بمعالجتها من خلال  رؤى واقعية تحقق الترابط بين مراكز القرار ومراكز البحوث للابتعاد عن القرارات المرتجلة المتخبطة والتأسيس لمرحلة القرار المخطط الذي تشذبه وتصنعه المؤسسات.