الرجوع للعدد الخامس
حفظ هذا المقال فقط
مدى استجابة منظمات الأعمال تجاه مسؤوليتها الاجتماعية
مركز الفرات للتنمية و الدراسات الاستراتيجية
المقدمة

إن المنظمات قد ظهرت منذ قدم الإنسان بذاته ، حيث إن الفرد لا يستطيع العيش بمفرده بمعزل عن الآخرين وان انتماء الفرد للمنظمات هي ظاهرة اجتماعية وإنسانية وخلال فترة حياة الفرد تصاحب المنظمة له وفي كل قطاعات المجتمع التي يعمل بها فالأسرة، والدائرة، والمدرسة، والجمعية التعاونية، والنقابة وغيرها، كلها منظمات يعيش فيها الفرد ويتفاعل من خلالها مع الأفراد الآخرين.

وتلعب المنظمات العاملة مهما كان نوعها دوراً مهماً في تقديم الخدمات والسلع ضمن المجتمعات العاملة فيها ، وتزداد أهمية هذا الدور مع حجم الزيادة في المسؤوليات الملقاة على عاتق هذه المنظمات واستجاباتها السريعة للمتغيرات والمعطيات البيئية الجديدة ومدى مسؤوليتها الاجتماعية تجاه البيئة المحيطة بها، وذلك عن طريق تبني برامج وخطط فعالة لدعم نشاط التطوير وتنمية روح الإبداع والابتكار الضروريات للنجاح والاستمرار في العمل، ومدى مساهمة المنظمات العاملة في علاج المشاكل الاجتماعية في البيئة المحيطة بها والمتطلبات اللازمة لضمان فعالية استجابة المنظمات العامة للمسؤولية الاجتماعية.

ومن خلال ما تقدم وانطلاقاً من أهمية موضوع استجابة المنظمات العاملة والمسؤولية الاجتماعية، جاء هذا البحث ليتناول العلاقة والتعرف على مدى استجابة المنظمات العاملة تجاه مسؤوليتها الاجتماعية.


منهجية البحث

أ‌- مشكلة البحث
إن المنظمات نفسها مهيأة أمام واقع حتمي يتمثل بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه المجتمع الذي تعيش فيه وأيضا ضرورة مواكبة المتغيرات التي تحدث في البيئة المحيطة. وبالنظر لأهمية موضوع المسؤولية الاجتماعية لهذه المنظمات الملقاة على عاتقها ضمن مجتمعنا العراقي الجديد فأنها لا زالت دون المستوى المطلوب لذلك نرى ندوة الدراسات حول هذا الموضوع بالتحليل والدقة.

- هل إن المنظمات العاملة تستجيب للمتغيرات البيئية الخارجية المتمثلة بـ(المتغيرات الاجتماعية والثقافية، الاقتصادية، السياسية، التكنولوجية وغيرها)

- ما هو دور المنظمات بالمحافظة على مسؤوليتها الاجتماعية تجاه المجتمع.

- مدى مساهمة المنظمات العاملة في علاج المشاكل الاجتماعية في البيئة المحيطة بها.


ب‌- هدف البحث
يسعى هذا البحث إلى التعرف على مدى استجابة المنظمات العاملة على ضوء المتغيرات البيئية المحيطة بها، ومسؤولية هذه المنظمات العاملة تجاه المجتمع وحل مشاكله وعلاجها والمتطلبات اللازمة لديمومة الاستجابة لهذه المنظمات من خلال وضع الاستراتيجيات والخطط وتنسيق الجهود مع المجتمع.
وأيضا مبدأ التوافق في المسؤولية الاجتماعية بين الحقوق والواجبات ومدى مساهمة أفراد المجتمع وإشرافهم لإشباع احتياجاتهم وحل مشكلاتهم.

جـ- أدوات البحث
تم الاستعانة في إعداد هذا البحث على الأدبيات و الدراسات  والاطاريح والبحوث المنشورة وغير المنشورة من الكتب الأجنبية والعربية المتعلقة بموضوع البحث.

د- أهمية البحث
يستمد البحث أهميته من كونه يمثل إطارا شمولياً لمدى استجابة المنظمات العاملة في البيئة المحيطة بها لمفهوم المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقها. إن هذا البحث يسعى للمساهمة من خلال ما يأتي:

1- الدور الكبير الذي تلعبه المنظمات العاملة تجاه المجتمع ومدى تأثير المتغيرات البيئية المحيطة بها وتأثرها بها.

2- الأهمية التي تمثلها المسؤولية الاجتماعية في منهاج عمل هذه المنظمات ضمن إطار المجتمع الذي تعيش فيه.

3- مدى أهمية الاستجابة لهذه المنظمات تجاه المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقها.


  المبحث الأول:بيئة منظمات الإعمال

اولاً: المفهوم

لقد وضعت العديد من التعاريف من قبل المختصين لمفهوم البيئة فقد عرفت البيئة في معناها العام بأنها تتضمن كل الأشياء خارج المنظمة  وليس هناك نهاية لحدود البيئة(1).

في حين قدم آخرون تعريفاً شاملاً للبيئة بأنها كل العناصر والأفراد والمنظمات الأخرى والمتغيرات الاقتصادية والأشياء والوحدات التي تقع خارج حدود المنظمة وتؤثر فيها(2).

فالبيئة بحد ذاتها تمثل جملة من القوى والمتغيرات التي تؤثر في المنظمة وتنظيمها وأهدافها وسياستها ولكنها لا تستطيع السيطرة عليها، وان المنظمة الفاعلة اليوم لا يمكن أن تكون بمعزل عن مجريات الأحداث في البيئة المحيطة وتأثيراتها المختلفة(3).

ومنهم من عرف البيئة بأنها شيء نسبي يختلف في محتواه ومكوناتها باختلاف المستوى التجميعي الذي تنظر منه إلى النظام المراد تحديد بيئته وكذلك باختلاف بعده الزمني أيضا(4).

أما(5) فقد قصد بالبيئة بأنها تلك القوى أو المتغيرات الخارجية التي تتأثر بها المنظمة والإنسان في سعيه المستمر للإبقاء على حياته.

ويمكن القول بان البيئة هو كل ما يحيط بالمنظمة من متغيرات والتي تؤثر بجزء أو كل المنتظمة.


ثانياً:المتغيرات البيئية
إن أهمية دراسة المتغيرات البيئية تبرز من خلال خصائص البيئة التي تعمل في ظلها منظمات اليوم ( المعاصرة). إن التغيير والتعقيد البيئي يفرض على المنظمة ضرورة مواكبة هذه المتغيرات البيئية، كما يتطلب دراسة كافة متغيرات البيئة الخاصة والعامة للمنظمات(6).

إن التغيير يعد واحداً من مبادئ الديمومة، وقد قسمت مصادر التغيير إلى مصادر خارجية تنشئ من البيئة المنظمة الخارجية المتمثلة بالمنافسين، والمجهزين، والمستهلكين، والوضع الاقتصادي السائد والقوى العاملة، والقوانين والأنظمة والتشريعات، والمتغيرات التكنولوجية أو السياسية، والاجتماعية. أما المصادر الداخلية وهي التي تنبع من داخل المنظمة كعلاقة المرؤوسين برؤسائهم، وتوجيهات القيادة الإدارية، وأنظمة المعلومات وواقع إنتاجية المنظمة ونظام الاتصالات وغيرها(7).

في حين صنف آخرون متغيرات البيئة المختلفة إلى ثلاثة مجاميع رئيسية الأولى تضم العناصر المادية والموضوعية والتي تدور في الوحدات البشرية والتي يتكون منها المجتمع، المجموعة الثانية تتعايش في إطار مكاني متعدد، فيما تضم المجموعة الثالثة التي تمثل القناعات السائدة في المجتمع(8).
وهناك من يعتمد تحليل البيئة الخارجية(9) بين بيئة عامة وتشمل جميع العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والتكنولوجية، وبيئة خاصة وهي مجموعة العوامل التي يمكن للمنظمة إن تسيطر عليها أو على اقل تقدير تقع في حدود تعاملاتها والمتمثلة في العمل، الموردين، المنافسين، الحكومة.


وقد قسم(10) البيئة إلى:
البيئة العامة: وتسمى أيضا البيئة الجزئية وتتضمن قوى خارجية وهذه القوى تؤثر بكل أو اغلب المنظمات وتتضمن البيئة العامة، النظام الاقتصادي، الذي ربما يكون (رأسمالياً أو اشتراكياً) والظروف الاقتصادية وتضم( الانكماش، التضخم، النمو الاقتصادي)، الديمغرافيا (العمر، الجنس، الأخلاق، الدين، المستوى الثقافي، الأرضية الحضارية(القيم، المعتقدات، اللغة، العلاقات)).

البيئة المهمة: وتتضمن القطاعات التي تتفاعل مع المنظمة بصورة مباشرة، وإرشاد قدرة المنظمة نحو تحقيق الأهداف وتتضمن:
1- الصناعة                               2- المواد الأولية 
3 - قطاع المواد البشرية              4- المواد المالية 
5- السوق                                 6- التكنولوجيا
7- الاقتصاد                               8- الحكومة    
9- الحضارة                               10- القطاع الحكومي


وتأسيسا على ما تقدم  فأن البحث الحالي سوف يعتمد على المتغيرات البيئية الخارجية المتمثلة (المتغيرات الاجتماعية والثقافية، المتغيرات الاقتصادية، المتغيرات السياسية، المتغيرات التكنولوجية).


ثالثا: متغيرات البيئة الخارجية
وتشمل كل القوى والظروف التي تؤثر على كافة المنظمات بالمجتمع، أي لا يقف تأثيرها على منظمة بعينها، ويمكن تقسيمها إلى ما يأتي(11):

* المتغيرات الاجتماعية والثقافية

وتشمل المتغيرات الاجتماعية كل القيم والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع وأن أي تغيير فيها تصبحه تغيرات عديدة في أنماط الحياة وما تتطلبه من خدمات ومنتجات، وتمتد هذه التغيرات لتشمل العلاقة بين أفراد المجتمع والوظائف العامة وشاغليها أيضا(12).

في حين ذكرت(13) بان البيئة الاجتماعية تشمل السكان من حيث أعدادهم وخصائصهم وحاجاتهم. أما البيئة الثقافية فتشمل قيمهم وعاداتهم التي يتناقلونها عبر الأجيال وتنعكس على سلوكهم اليومي، فمنظمات الأعمال تقدم سلع وخدمات للسكان، حاجة هؤلاء وحجمها ونوعها تؤثر على نوع الأعمال التي يمكن أن تقام، أي على الفرص المتوفرة لذلك، فمنظمة الأعمال بحاجة إلى دراسة الجوانب المهمة في هذه البيئة من حيث عدد السكان، أعمارهم، وضعهم الاجتماعي، إلى غير ذلك من قضايا وعوامل يمكن أن تنعكس على عملها.

* المتغيرات الاقتصادية
تتعدد القوى الاقتصادية البيئية المؤثرة فيها اتجاهات الأسعار وتأثيرها المباشر على عناصر التكاليف والإيرادات وأيضا معدلات النمو حيث تلعب دوراً هاماً ومؤثراً في مدى التوسع في الطلب على منتجات المنظمة وانكماشه أو استقراره على حاله ومعدلات الفائدة ومعدلات البطالة ومستويات الدخول حيث تؤثر تلك المستويات على معدلات الادخار والإنفاق(14).

في حيث ذكرت(15) إن المتغيرات الاقتصادية تؤثر بشكل أساسي في أوجه نشاط المنظمة، فندرة أو وفرة المواد الأولية، وشدة درجة المنافسة السائدة، وطبيعة الأسواق وحركة العرض والطلب والأسعار ومستوى النشاط الاقتصادي العام والقطاعي...كلها تؤثر في قابلية المنظمة.

*المتغيرات السياسية
تشكل سياسات الدولة وقراراتها وخططها مجموعة من المتغيرات الأساسية المؤثرة في المنظمة، ويزداد ذلك وضوحاً في ظل بلدان تنهج الفكر الاشتراكي في عملها حيث تتدخل الحكومة بشكل مباشر وهادف في تنظيم المجتمع والاقتصاد الوطني.

وتتكون البيئة السياسية لأي عمل من كل الأوضاع السياسية ذات التأثير عليها، خاصة طبيعة النظام السياسي، فالاستقرار السياسي مهم جداً لأنه ينعكس مباشرةً على منظمات الأعمال، فقطاع الأعمال يبقى قلق ومتردد إذا كان الوضع السياسي إلية غير مستقر، كذلك يتأثر قطاع الأعمال بطبيعة النظام السياسي والتغيرات التي قد تحصل فيه، فعندما تغير النظام السياسي في الاتحاد السوفيتي السابق أدى ذلك إلى تغيرات هائلة انعكست على قطاع الأعمال منها السلبي والايجابي  فالكثير من المشاريع القائمة قد تضررت من التغيير أي حين أدى التغيير الى خلق فرص جديدة لأعمال أخرى(16).

* المتغيرات التكنولوجية
يتميز عصرنا الحالي بالتغيير الدائم في أدوات العمل وأساليب الإنتاج كاستجابة طبيعية للتطورات التكنولوجية  المتلاحقة خاصةً في مجال الحاسبات الالكترونية ونظم المعلومات.

وثمثل التكنولوجيا ظاهرة حضارية واجتماعية تسهم بشكل فعال في ترصين النهوض الدائم والمتطور في إطار حركة المنظمات وعبر نشاطاتها المختلفة. وقد أثبتت العديد من الدراسات والأبحاث العلمية المعاصرة بأن التكنولوجيا تؤثر بشكل كبير في هيكل المنظمة  وسبل تحقيقها لأهدافها. كل ذلك يدعو المنظمات الى ضرورة الاستجابة المستمرة والفاعلة للتطور التكنولوجي، واعتماده في تحقيق أهدافها وخلق المرتكزات لنموها وتطورها باستمرار(17).


المبحث الثاني:المسؤولية الاجتماعية

أولاً: المفهوم
إن التطور التكنولوجي والعلمي الهائل الذي تشهده بيئة الأعمال اليوم وانتقال المجتمعات إلى عصر المعرفة، ازدادت أهمية الأعمال في المجتمع بشكل كبير وأصبح دورها فاعلاً على مختلف المستويات، وصارت الشركات الكبرى و الأمم والشعوب تتبارى بمخترعاتها واكتشافاتها سلعاً كانت أم خدمات وزاد تأثير هذه المنظمات  في قرارات حكومات الدول التي تنتمي إليها(18).

إن موضوع "المسؤولية الاجتماعية" من الأهمية ما يجعله من حقول البحث والدراسة الحيوية في دول العالم المتقدمة التي اهتمت به منذ فترة طويلة وأدخلته ضمن مناهجها الدراسية وقامت بحملات توعية واسعة من اجل حث الشركات وأصحاب رأس المال على تبني هذه المسؤولية ، فإذا نظرنا إلى تطور مفهوم  "المسؤولية الاجتماعية" في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة و أوربا، نجد إن الإدارة في منظمات الأعمال وحتى النصف الأول من القرن الماضي كانت ترى أن واجبها الأساس هو التركيز على الهدف الاقتصادي للمنظمة، وان المصلحة الذاتية لأصحاب رأس المال لها الأولوية  على أية مصلح عند اتخاذ القرارات، وتركيز الإدارة على الهدف الاقتصادي كان مجرد استجابة طبيعية لمتطلبات الظروف في تلك المرحلة، فالوحدات الاقتصادية كانت في معظمها صغيرة الحجم، لاستطيع كل منها بمفردها إن تمارس تأثيراً جوهريا على مجريات الأمور في بيئتها، كما أن الحاجات المادية للمجتمع لم تكن قد أشيعت أشياعاً مناسبة مما جعل لهل الأولوية على باقي أنواع الحاجات الأخرى، وشهدت أوائل الخمسينات من القرن الماضي تجوالا ملحوظا في توقعات المجتمع من منظمات الأعمال، حيث لم قانعاً بدورها الاقتصادي التقليدي المحدود، وصار يتطلب منها ألا تراعي في قراراتها مصلحتها الذاتية فقط بل لا بد أن تأخذ في اعتبارها ايضاً تلك القرارات على مصلحة باقي الأطراف المؤثرة على نشاط المنظمة كالعاملين والمنافسين والمجتمع ككل(19).

ثانياً:الأهمية
لقد أصبحت المسؤولية الاجتماعية اليوم عقداً بين المنظمة والمجتمع، تلزم شركات الأعمال بموجبه بإرضاء المجتمع والاتفاق على ما يحقق المصلحة العامة، ويكتب الدور الاجتماعي للشركات والقطاع الخاص أهمية متزايدة بعد تخلي الحكومات عن كثير من أدوارها الاقتصادية والخدمية التي سحبتها بطبيعة الحال برامج اجتماعية كان ينظر إليها على إنها أمر طبيعي ومتوقع في ظل انتقاء الهدف الربحي للمنظمات التي تديرها الحكومة، واظهر ايضاً إن كثير من قادة وأصحاب المنظمات يرغبون في المشاركة الاجتماعية وينظرون إلى العملية الاقتصادية على إنها نشاط اجتماعي ووطني وإنساني يهدف فيما يهدف إليه إلى التنمية والمشاركة في العمل العام وليس عمليات معزولة عن أهداف المجتمعات والدول وتطلعاتها(20). إن المنظمة يمكن اعتبارها تسلك سلوكا مسؤولا من الناحية الاجتماعية حتى كانت ترعى في قراراتها ليس مصلحتها الفردية فقط، وإنما ترعى ايضاً المصلحة الكلية للمجتمع وان تكون استجابتها لتوقعات المجتمع منها عن طواعية واختيار وليس خوفا من النقد أو التهديد باستخدام القانون(21).

ثالثاً: الأسباب التي ساعدت على ظهور المفهوم الموسع للمسؤولية الاجتماعية
لقد نما هذا المفهوم الموسع للمسؤولية الاجتماعية تحت تأثير عدد من الظروف ويمكن تفصيلها بما يأتي (22).

أ- التغير في حاجات المجتمع
كانت الأفكار السائدة قديما بان الحاجات الإنسانية تقسم في خمس مجموعات تندرج في شكل هرمي يأتي في قاعدة الهرم((الحاجات الفسيولوجية والأمن)) وتعلوها ((الحاجات الاجتماعية)) ثم ((الحاجة إلى التقدير)) وأخيرا في قمة الهرم ((الحاجة إلى تأكيد الذات(نظرية الواقعية لماسلو)))، ووفقا لهذه النظرية، فان الإنسان يسعى أولا لإشباع الحاجات الدنيا(المادية)، ومتى أشبعت إشباعا مناسبا فقدت أهميتها النسبية في السيطرة على السلوك وحلت محلها حاجة أخرى غير مشبعة تعلوها في التدرج .....وهكذا.

أما ألان وقد أصبح المجتمع يتمتع بمستوى مناسب من الإشباع المادي فمن المنطقي أن يتحول اهتمامهم إلى إشباع الحاجات الاجتماعية، ومن ثم يصبح من غير المعقول أن تضل منظمات الأعمال منغمسة في دورها التقليدي، بل لابد ان تستجيب المطالب الجديدة للمجتمع إذا أرادت أن تضمن لنفسها البقاء والاستمرار( 23).

ب- تزايد قدرة منظمات الأعمال على التأثير على مجريات الأمور بالمجتمع
من أهم التغيرات الاقتصادية التي تميز بها القرن الماضي، حلول الشركات العملاقة محل المشروعات الصغيرة الحجم التي كانت مملوكة في معظمها لمن يديرها. أي إن المنشات الكبيرة الحجم التي أصبح يمتد نشاطها إلى ما هو ابعد من الحدود الوطنية - صارت السمة المميزة لقطاع الأعمال في الوقت الحاضر- وهي بهذه الصفة أصبح لها القدرة على التأثير في الكثير من مجريات الأمور في بيئتها، فبمقدورها أن تؤثر على الحجم الذي يمكن تشغيله من قوة العمل، وعلى نظام الأسعار، وأنماط الاستهلاك والتطور التكنولوجي، ومدى نظافة البيئة. وبمنطق توازن القوة والمسؤولية، فأن مسؤولية منظمات الأعمال تجاه بيئتها يجب أن تكون متكافئة مع قدرتها على التأثير فيها.

جـ- تغير دور الإدارة
في ظل سيادة المشروعات الصغيرة الحجم، فأن مصلحة المدير ومصلحة المنشأة واحدة ولم تخرج من كونها السعي لتحقيق أقصى ربح ممكن حتى لو على حساب بعض الأطراف الأخرى التي لها علاقة بالمنظمة، أما ألان وفي ظل سيادة الوحدات الكبيرة الحجم، أصبح رأس المال يساهم فيه مئات أو آلاف المساهمين بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال المؤسسات المالية كالبنوك وشركات التامين  حيث حدث نوع من الفصل بين الملكية والإدارة. ولكن المسؤولية الاجتماعية لإدارة المنظمات لا تقف عند التبرعات للمشروعات والبرامج التنموية والخيرية فثمة مجالات للعمل ومبادئ يجب أن تلتزم بها المنظمات وسيعود ذلك على المجتمعات والدول بفوائد كبرى ويجنبها كوارث وأزمات بيئية اقتصادية واجتماعية ستكون في تكاليفها ونتائجها اكبر بكثير من التكاليف المترتبة على هذه المسؤوليات والالتزامات(24).

د- تطور مفهوم النظم
من بين المفاهيم الأساسية التي نمت في الفترة الأخيرة ما يسمى بمفهوم النظم. ووفقاً لهذا المفهوم فأن المجتمع ككل يمكن اعتباره نظاماً كلياً يتكون من عدد من النظم الفرعية كالمؤسسات الاجتماعية والثقافية والتعليمية، أو الدينية، والاقتصادية، والسياسية...الخ
وكل هذه النظم الفرعية تؤثر في الأخرى وتتأثر بها مما يجعل مستوى أداء النظام الكلي تعبيراً عن مدى التفاعل والتكامل بين الأنظمة. مدى استجابة منظمات الأعمال للمفهوم الحديث للمسؤولية الاجتماعية


أولا : صور الاستجابة المتوقعة
لا يتوقع الإنسان بالطبع إن تستجيب منظمات الإعمال بشكل تلقائي وبنفس الدرجة لتلك المتطلبات الموسعة، لذلك فقد تفاوتت درجة الاستجابة بينها على النحو الأتي:

- إن إدارة بعض المنظمات عجزت عن استيعاب المفهوم ، وظلت بفكرها وسلوكها مشدودة للفلسفة التقليدية التي تركز على الهدف الاقتصادي وحدة ، وهي بهذا قد حكمت على نفسها بالعزلة.

- إن البعض الآخر قد عجز ايضاً عن المفهوم الجديد. حيث لجأ إلى الحملات الدعائية التي حاول من خلالها تأكيد حرصه على مصلحة المجتمع وعدم الإضرار به وذلك دون أن يتقدم خطوة واحدة ليثبت بها ذلك.

- هناك مجموعة ثالثة كانت شحيحة في استجابتها واكتشفت بالحد الأدنى الذي يقرره القانون. بل وإذا وجدت إن هناك بوادر للنظر في تعديل القانون المنظم لهذه النواحي فأنها تحاول استعمال اتصالاتها لتعطيل أو إرجاء صدوره بل إذا صدر فأنها تتكئ في التنفيذ ، ويسمى هذا المدخل عادة(المدخل القانوني).

- هناك مجموعة رابعة تلجأ إلى منطق المساومة حينما تجد نفسها معرضة للنقد، فحين يشتد عليها النقد من جانب جماعات الضغط المختلفة داخل المجتمع فأنها تحاول التفاوض معهم للوصول إلى حل وسط.

- واخيراً... هناك المجموعة الخامسة التي استجابت عن اقتناع لطبعة التطور في حاجات المجتمع ورأت إن المصلحة الكلية تقتضي البحث عن الطريقة المثلى التي يمكن من خلالها التوثيق بين المصلحة الذاتية للمنظمة والمصلحة العامة للمجتمع بالشكل الذي يحقق التفاعل بينهما بطريقة بناءة ويسمى هذا المدخل عادةً بـ (مدخل التكامل).


ثانياً: الاستجابة في الدول المتقدمة
على  الرغم من وجود الأنواع السابقة من الاستجابة عملياً، إلا إن النمط الأخير ((مدخل التكامل)) هو الذي أصبح سائداً من الناحية العلمية في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة ويؤكد ذلك نتائج الدراسة التي أجراها ( R. Elbert and I. Parent)  
وتضح منها إن 90% من الشركات الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية تعين مديراً مسؤولاً أو لجنة على مستوى عالي تختص برعاية نشاط المسؤولية في حين انه قبل (26) عام 1965 لم تزد نسبة الشركات الكبرى المهتمة بالموضوع على هذا المستوى عن 20% ويمكن تفسير ارتفاع النسبة من خلال ثلاثة بواعث رئيسية هي:

* تزايد الضغوط التي أصبحت تحث الإدارة في منظمات الأعمال على ضرورة الاستجابة لحدود المسؤولية الاجتماعية كما يتطلبها المجتمع. 
*إن الكثير من حجج الرافضين، أو المتحفظين بقبول المسؤولية  الاجتماعية للمنظمة بمعناها الواسع أصبحت غير مقنعة.
*إن نظرة المديرين أنفسهم للموضوع واتجاهاتهم بالنسبة له قد تغيرت تحت تأثير العناية التي أخذها الموضوع سواء من خلال الدراسات الأكاديمية المنشورة أو من خلال برامج التنمية الإدار


ثالثاً: الاستجابة في الدول النامية
إذا نظرنا إلى الدول النامية نجد إن الأهداف الاقتصادية( كهدف الربح مثلاً ) لها الأولوية على غيرها من الأهداف وبالأخص الاجتماعية، وفيما يلي الحجج التي تجعل الإدارة في الدول النامية تقف موقفاً سلبياً وكما يلي27)):

بالنسبة إلى موضوع التلوث:
ويمكن إيجاز أهم الحجج التي تسوقها الإدارة عادةً  لتفسر بها موقفها السلبي من تجثيب البيئة من أضرار التلوث الناتج عن ممارسة المنظمة لنشاطها.
إن الحرص على حماية البيئة من عمليات التلوث الناتج عن نشاط المنظمة عملية مكلفة  بالنسبة للمنظمة.
إن القيام بهذا العمل هو إحدى المسؤوليات الرئيسية للحكومة. وقد ساعد على تقوية هذا الاعتقاد غياب الضغوط الحكومية القوية التي يمكن أن تحث الإدارة على الاهتمام بالموضوع.


بالنسبة للمساهمة في علاج المشاكل الاجتماعية في البيئة:
تسوق الإدارة هنا حجج لتبرر بها تقصيرها في المساهمة في علاج ما قد يكون في البيئة من مشاكل اجتماعية كافة.

*إن تكاليف المساهمة في علاج مشاكل البيئة يمثل عبئاً اضافياً على كاهل المنظمة.

* افتقار منظمات الأعمال للقيم المطلوبة للتعامل مع تلك المشاكل بفعالية.

* إن المشاركة في مثل هذه الأنشطة قد يصرف المنظمة عن هدفها الأصلي.

* افتقار المنظمة للسلطة   التي تمكنها من دخول مثل هذه المجالات بفعالية.

وعلى الرغم من إن تلك الحج التي يدعوا إليها أنصار لا زالوا مشدودين بالانغماس في الدور الاقتصادي التقليدي متناسين إن منضمات الأعمال في الوقت الحاضر لا تستطيع إن تعمل بمنأى عن الآثار السلبية الناجمة عن وجود بعض المشاكل في بيئتها الاجتماعية حيث يؤثر استمرار تلك المشاكل على إمكانية تحقيق الهدف الاقتصادي ذاته، كما إن منظمات الأعمال أصبحت قادرة على التأثير في بيئتها الاجتماعية من زوايا متعددة بعضها ايجابي والآخر سلبي، فان هي حاولت أن تعزل نفسها عن البيئة بحجة التفرغ للهدف الاقتصاد (الربح مثلاً) فأن المجتمع لا محالة سيسلب منها قدرتها على التأثير فيه في الأجل الطويل.


الهوامش

  1. Robbins ,Stephen,(1990),Organization Theory,(New Y URK Mc Graw-Hill,Co). P.205.
2. Griffin , R ., and Moor head, G, (1995), "organization Behavior: Managing people  and organization ", Hongb ton , Boston.p.417
3. الخضر علي إبراهيم عبد الهادي، (2000) " المدخل إلى إدارة الأعمال" ، منشورات جامعة دمشق، ص215
4. الصرف ، رعد حسن،(2001) ، " نظم الإدارة البيئية والايزو 14000  " سلسلة الرضا للمعلومات، دمشق، ص26.
5. المليحي، إبراهيم عبد الهادي،(2002) ، " استراتيجيات وعمليات الإدارة " ، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، ص230.
6. Certo, Samuelc. , (1994), "Modern Management , Diversity, Quality, Ethics,5th ed . and the Global Enviroment, Prentice-Hall Internet national, New Jersey, P.179.
7. Vechio, R. , P. , (1994), "organizational  Behavior, 3 rd  ed, Harcourt Brace and  Combany, New York, P.179.
8. شريف ، علي،(2000)،  " الادارة المعاصرة " الدار الجامعية للطبع والنشر، الاسكندرية، ص114
9. البشردي، سحر جلال، (2001) ، " اثر المتغيرات البيئية الخاصة في فعالية ادارة الازمات التنظيمية " دراسة ميدانية في امانة بغداد - رسالة ماجستير( غير منشورة) - كلية الادارة والاقتصاد ، الجامعة المستنصرية، ص7.
10. Daft, Richard L. , (2001), "Organization Theory  and design '', South-western, P.131.
11. رفاعي ، محمد رفاعي،( 1997)، "  الأصول العلمية لإدارة الأعمال    "دار ألهاني للطباعة ، مصر، ص382.
12. الشماع، خليل محمد حسن،(1999) ، " مبادئ الإدارة: مع التركيز على إدارة الأعمال" ،الموصل ، دار الكتب للطباعة والنشر، ص55.
13. برنوطي، سعد نائف، (2000) ،" الأعمال ، الخصائص والوظائف الإدارية " ، دار وائل للطباعة والنشر، عمان، ص42.
14. رفاعي- مصدر سابق، ص384.
15. الشماع، خليل محمد حسن ، وحمود، خضير كاظم ، (2000) ، " نظرية المنظمة"، دار المسيرة للنشر والتوزيع، ط1، عمان، ص191.
16. برنوطي - مصدر سابق، ص43 .
17. الشماع وحمود - مصدر سابق، ص194.
18. ألغالبي ، طاهر والعامري، صالح مهدي(2005) " المسؤولية الاجتماعية وأخلاقيات الأعمال (الاعمال والمجتمع) " ، دار وائل للنشر، عمان، ص1.
19. رفاعي، مصدر سابق ، ص405.
20. http://Salaam 7.Maktoobblog.com .
21. Blomstrom R.(1975), "Business and Society: Environment and Responsibility " (Third Edition). McGraw-Hill Book co.,N.Y ,P61.
22. Davis K(1976) , "Social  Responsibility is Inevitable   " California Management Review  (fall 1976, vol. XIX ,No.1), PP14-20.
23. رفاعي، مصدر سابق، ص 408.                                                                
24. http://www.chinatoday.com.cn.
25. VOTOW.d.and P.sethi, " Do we need anew corporate Response to a changing social Enviromen?" California Management Review , 1969.
26. رفاعي ، مصدر سابق، ص415.
27. رفاعي، مصدر سابق.