الرجوع للعدد الرابع
حفظ هذا المقال فقط
الإرهاب والمقاومة (رؤية نظرية)
سليم فرحان جيثوم
رئيس القسم السياسي في مركز الفرات

توطئة:

    هذا الموضوع ليس حديث النشأة، بل وجدت أعمال العنف والقمع والقتل والاغتيالات منذ القدم وفي المجتمعات كافة، ومارسها الأفراد كما مارستها الجماعات والقوى المختلفة، لكن العمل الإرهابي في الوقت الحاضر لم يعد هو العمل الإرهابي في القدم، ففي الماضي كان العمل الإرهابي فعلاً عنيفاً له أهداف محددة وضحاياه قليلة، ووسائله القديمة متجسدة بشكل أساس بأعمال الاختطاف والحجز وأخذ الرهائن والتهديد واغتيال الشخصيات الهامة، أما الإرهاب الحديث والجديد فهو أكثر تطرفاً وحدة وأهدافه واسعة غير محصورة، ووسيلته الأساسية هي القتل الجماعي، إن هذا التحول النوعي في الإرهاب يمكن ربطه بما أسمته (ماري كالدور) بالحروب الجديدة، حيث نرى أن هناك شكلاً جديداً من الحروب في العالم يقوم على مجموعات خاصة متجاوزة للحدود تشمل تنظيمات وأمراء، أمام هذه الظاهرة الخطيرة يحق لنا أن نتساءل ما هو الإرهاب وما هي أركانه وما الفرق بينه وبين المقاومة؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في الصفحات القادمة.

أولاً: مفهوم الإرهاب وأركانه

1.  مفهوم الإرهاب:

    الإرهاب لغة تعني إشاعة الخوف والفزع والرعب(1)، أما اصطلاحاً فلا يوجد تعريف جامع مانع لمفردة الإرهاب، بسبب تعدد واختلاف آراء المهتمين بدراسة هذه الظاهرة من جانب والغموض وعدم التحديد الدقيق لها على المستوى السياسي والقانوني من جانب آخر، الأمر الذي أدى إلى فتح المجال واسعاً للاجتهاد البشري، حيث طرحت تعريفات عدة، كلً نظر إلى المفهوم من خلفيته الفكرية والفلسفية والدينية وطبقاً لمعالمه الخاصة، حتى وجدنا أنفسنا في نهاية المطاف أمام (108) تعريف، من أبرزها تعريف ستويل عندما قال إن الإرهاب هو "العمل الإجرامي المصحوب بالرعب أو العنف أو الفزع بقصد خدمة هدف محدد"(2)، أما جيفا نوفيتش فقد عرف الإرهاب على أنه "عبارة عن أعمال من طبيعتها أن تثير لدى شخص ما الإحساس بالتهديد مما ينتج عنه الإحساس بالخوف بأي صورة"(3)، بينما ذهب عبد العزيز محمد سرحان إلى تعريف الإرهاب على أنه "كل اعتداء على الأرواح والأموال والممتلكات العامة أو الخاصة بالمخالفة لأحكام القانون الدولي بمصادره المختلفة"(4)، وقد أشار صلاح الدين عامر إلى الإرهاب بقوله "إنه اصطلاح يستخدم في الأزمنة المعاصرة للإشارة إلى الاستخدام المنظم للعنف، لتحقيق هدف سياسي وبصفة خاصة جميع أعمال العنف التي تقدم منظمة سياسية بممارستها على المواطنين وخلق جو من عدم الأمن"(5).

    بينما عرف رياض عزيز هادي الإرهاب على أنه "مجموعة من أعمال العنف (فردية أو جماعية، تدمير، تخريب) الذي تقوم به جماعة سياسية للتأثير على الناس وخلق جو من عدم الأمان"(6) .

    أما تعريف الإرهاب على صعيد المنظمات الدولية، فنجد أن الاهتمام بهذا الموضوع بدأ منذ عام 1930 عندما اختطف بعض ثوار بيرو طائرة لغرض الهرب بها إلى خارج بلادهم، إلى حد الذي لفت أنظار المجتمع الدولي آنذاك، حتى تمكنت عصبة الأمم بعد نقاش دام سبع سنوات من عقد اتفاقية منع الإرهاب والمعاقبة عليه عام 1937(7)، حيث ورد في الاتفاقية إعلان تعريف الإرهاب مفاده أن الإرهاب هو (جميع الأعمال الإرهابية الموجهة ضد دولة ما وتهدف أو يقصد بها خلق حالة رعب في أذهان أشخاص معينين أو مجموعة من الأشخاص أو عامة الجمهور)( 8)، ثم بعد ذلك توالت جهود الأمم المتحدة في هذا الشأن من عام 1947 ولغاية يومنا هذا، وبعد نقاشات وجدالات  طويلة جداً توصلت إلى إن الإرهاب يمثل (جميع الممارسات والوسائل غير المبررة التي تشير إلى رعب الجمهور أو مجموعة من البشر لأسباب سياسية وبصرف النظر عن بواعثه المختلفة)(9)، وهناك بعض الاتفاقيات الدولية أشارت لمفهوم الإرهاب سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، منها على سبيل المثال اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الأول الملحق بها لعام 1977 والاتفاقية الأوربية لعام 1977 والاتفاقية العربية لعام 1998... الخ.

    وعلى الرغم من الجهود التي بذلت سواء على الصعيد الذاتي (الباحثون والفقهاء) أو على الصعيد الدولي، لكن لم يتوصل الجميع إلى تحديد مفهوم جامع مانع للإرهاب، بسبب اقتصار هذه المفاهيم على بعض الجوانب دون غيرها، فمنهم من ركز على الجانب المادي (الأفعال) ومنهم من ركز على الجانب القانوني (الجرائم)، وآخرون ركزوا على الجانب السياسي بينما الأمر يتطلب أن يكون هناك تعريف يحتوي على أمرين هما(10):
"    التجرد والموضوعية في الطرح .
"    الإلمام بالجوانب المختلفة للظاهرة دون إغفال أي منها.


2.  أركان الإرهاب :

    من خلال قراءة متفحصة لمفاهيم الإرهاب السالفة الذكر، واستناداً للواقع الذي نعيشه وحصيلة الدراسات الأكاديمية التي تناولت موضوع الإرهاب يمكن القول إن للإرهاب، مجموعة من الأركان الأساسية التي توضح ماهيته وتميزه عن بقية المفاهيم المقاربة وهي الآتي(11) :
1. العمل الإرهابي عملا ً من أعمال العنف، أما التهديد بالعنف فيدخل في باب الردع لا الإرهاب. 

2. يتم العمل الإرهابي بقدر من التنظيم وبذلك يتم استبعاد أعمال العنف العفوية كلها من عداد أصناف الإرهاب.
3. ينطوي العمل الإرهابي على مضامين وأهداف سياسية وبذلك يمكن استبعاد أعمال الإرهاب ذات المقاصد الذاتية والتي تدخل في عداد الجرائم العادية.
4. يتسم العمل الإرهابي بالطابع الرمزي أي أنه يحمل رسالة إلى فئة أو جماعة أو مجتمع أو دولة متجاوزاً بذلك الضحية المباشرة أو الهدف المباشر للعمل الإرهابي بهدف خلق تأثير نفسي معين لدى الخصم كالشعور بالخوف والذعر وعدم الأمان.

واستنادا إلى هذه الأركان يمكن القول إن الإرهاب ظاهرة تختلف عن المقاومة، لان المقاومة لها شروطها وظروفها الخاصة، هذا ما سنحاول توضيحه في المطلب القادم.


ثانياً:المقاومة وشروطها

    المقاومة حق مشروع يتمتع به كل شعب من شعوب العالم في حال تعرضه لاحتلال خارجي، لأن الموضوع هنا متعلق بالدفاع عن النفس والحفاظ على سيادة الدولة عندما تنتهك، وحقوق الشعب عندما تتعرض للاغتصاب، هذا الحق في فترات الحكم الاستعماري لم يتم الإشارة له، لأن الدول الاستعمارية آنذاك مسيطرة على شعوب العالم الفقيرة ومستغلة خيراتها وقاهرة لإرادتها، تحت حجج ومبررات عديدة لا مجال لذكرها، لكن على الرغم من ذلك برزت صيحات متفرقة تطالب بحق الشعوب بتقرير مصيرها وإنهاء حالة استعمار البلدان المتقدمة للشعوب المستضعفة، منها ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة الصادر عام 1945 في مادته الأولى الفقرة الثانية والمادة الخامسة والعشرين التي تشيران إلى إنماء العلاقات الودية بين الدول على أساس المبدأ الذي يقضي بأن الشعوب متساوية ويجعل لها حق تقرير المصير، كذلك ما جاء به مؤتمر باندونع للدول الأفريقية والآسيوية لعام 1955 الذي أشار إلى الاعتراف بحق تقرير المصير وتأييد قضية الحرية والاستقلال للشعوب، ثم بعد ذلك صدر قرار الأمم المتحدة رقم (1514) في 14/12/1960 الخاص بمنح الاستقلال للشعوب والأقاليم المستعمرة، وتلته قرارات متشابهة أهمها القرار رقم (2625) الصادر في 24/11/1970 الذي أقر مبدأ حق الشعوب بتقرير مصيرها.

    وبذلك أصبحت الدول المستعمرة تمتلك الشرعية القانونية التي منحتها لها القرارات الصادرة عن المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) في مقاومتها للاحتلال، وهذه المقاومة أخذت أشكالا ً متنوعة منها(12) :

*   المقاومة المدنية: هذا النوع من المقاومة يقوم على أساس استخدام تقنيات ووسائل تهدف إلى شل قدرة الخصم ومواجهة سلطته وأهدافه من خلال استخدام سلطة رديفة لا عنيفة تنطلق من تأييد الرأي العام والتفافه حول قضيته، أي مقاومة بلا عنف.

*   المقاومة المسلحة: هذا النوع هو يستند بدرجة كبيرة على المقاومة المدنية وتتكامل معها، حيث تبدأ بعمليات محددة خاطفة وسريعة وتنتهي بجيش من المقاومة يتمم عملية التحرير، وقد تبقى عمليات محددة في المدن والشوارع والأرياف .... الخ، مما يؤدي في النتيجة إلى تهديد أمن المحتل ويحطم معنوياته.

    والمقاومة بكل أنواعها ومضمونها السالف الذكر لكي تكون مقاومة مشروعة حسب قرارات وقواعد القانون الدولي، ينبغي أن تتوفر فيها مجموعة شروط أهمها(13):

1.   أن تكون هناك حالة احتلال فعلي ووجود لقوات الاحتلال داخل الأراضي المحتلة.

2.   أن يقوم بأعمال المقاومة أفراد من الشعب المحتلة أراضيه.

3.   أن تتم أعمال المقاومة بالضد من قوات الاحتلال العسكرية فقط.

4.   أن تكون أعمال المقاومة داخل حدود الأراضي المحتلة وليس خارجها.

وتأسيساً على ما تقدم، يتضح لنا أن هناك ثمة فرق بين المقاومة والإرهاب يمكن تجسيدها بالآتي

"    تختلف المقاومة عن الإرهاب الذي يعتمد العنف دون الاعتماد على سقف الشرعية الدولية أو القانون الدولي وحقوق الإنسان.

"    تختلف المقاومة عن الإرهاب من حيث الضحية أو الجهة المستهدفة، ففي المقاومة الجهة المستهدفة هي قوات الاحتلال فقط، أما الإرهاب فلا توجد جهة مستهدفة لأنه لا يبالي من هو الضحية، المهم بالنسبة للقائمين به هو إرسال رسالة للخصم بغض النظر عن الضحية المستهدفة.

"    المقاومة تقتصر على أبناء البلد المحتل، وإن كان هناك أشخاصا ً قادمين من خارج البلد المحتل تحت صيغ الجهاد أو ما شابه ذلك يجب أن يلتزموا بضوابط المقاومة وهي الجهة المستهدفة من المقاومة (القوات المحتلة)، وإن لم يلتزموا ويجعلوا أبناء البلد المحتل الضحية في أغلب الأحيان إذن سيتم وضعهم ضمن قائمة أخرى هي قائمة الإرهاب .

"    المقاومة يتطلب وجودها وجود قوة محتلة لأراضي البلد، بينما الإرهاب لا يتطلب ذلك.

"    المقاومة محصورة ضمن حدود جغرافية محددة، لكن الإرهاب ليس له حدود معلومة.

ولكي نخفف من حدة وخطر الإرهاب لابد من تبني أفكار الديمقراطية على ارض الواقع وحماية واحترام حقوق الإنسان.




الهوامش

1.    ابن منظور، لسان العرب، القاهرة، دار المعارف المصرية، ص436
ثامر إبراهيم الجمهاني، مفهوم الإرهاب في القانون الدولي، دراسة قانونية، 1998 ، ص129-132.
2.    المصدر نفسه، ص129-132.
3.    د.عبد العزيز محمد سرحان ، حول تعريف الإرهاب الدولي وتحديد مضمونه من واقع القانون الدولي وقرارات المنظمات الدولية، المجلة المصرية للقانون الدولي، مجلد 29، 1973، ص173.
4.    د. صلاح الدين عامر، المقاومة الشعبية المسلحة في القانون الدولي العام ، سنة النشر بلا ، دار النشر بلا ، ص486 . 
5.    د. رياض عزيز هادي، حقوق الإنسان والعنف والإرهاب، بغداد، مجلة العلوم السياسية، العدد (26)، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد،2002، ص143.
6.     د. خليل إسماعيل الحديثي، الإرهاب الدولي .... مدان قانونا أم سياسة ؟ ، مجلة العلوم السياسية، ع 26، جامعة بغداد ، 2002، ص151 .
7.    المصدر نفسه ، ص151 . إضافة إلى المادة الأولى من الاتفاقية .
8.    د.عبد الحسين شعبان، الإنسان هو الأصل (مدخل القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان)، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 2002، ص104 -105 .
9.    ثامر إبراهيم الجمهاني، المصدر السابق، ص132 .
10.    د. نديم عيسى خلف، جدلية الإرهاب بين الطروحات الغربية والإسلامية، مجلة العلوم السياسية، ع26 ، جامعة بغداد ، 2002 ، ص161-162 .
11.    عبد الغني عماد، المقاومة والإرهاب في الإطار الدولي لحق تقرير المصير، مجلة المستقبل العربي، ع 275 ، كانون الثاني 2002 ، بيروت، ص35-36 .
12.    المصدر نفسه، ص32 .