إن هذه الرسالة التي حملت عنوان عقيدة انتظار المهدي في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر قدمت من قبل الطالبة ناهدة محمد إلى مجلس كلية العلوم السياسية/ جامعة بغداد لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية/ الفكر السياسي، إذ اهتمت ببحث عقيدة دينية كبرى في الفكر السياسي الإسلامي حيث تميزت بفعاليتها وحركتها في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر وخاصةً في الفكر السياسي الأثني عشري.
وذلك باعتقاد المسلمين منذ فجر الرسالة الإسلامية والى يومنا هذا بصحة ما جاء عن النبي محمد(ص) من ظهور رجل من أهل بيته (عليهم السلام) في آخر الزمان يلقب بالمهدي يملئ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وقد ورد خبره في أحاديث جمة، ذكرها الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، وأئمة وعلماء أهل السنة بلغت حد التواتر، والتي أودعوها في كتبهم ومصنفاتهم، ومما يجب الإشارة إليه أن جميع المسلمين إلا من شذ عنهم - متفقون على خروج المهدي (ع) في آخر الزمان وانه من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام)، وان اسمه على اسم النبي، وكنيته والاعتقاد به من ضروريات الإسلام، والاختلاف يكمن في انه ولد وهو باق حتى يخرج كما هو عليه عند الشيعة الاثني عشرية أو انه سيولد عند خروجه كما هو عند أهل السنة .
إن عقيدة انتظار المهدي ليست حكراً على الديانة السماوية الإسلامية وإنما احتوتها الديانات السماوية الأخرى(اليهودية والمسيحية) لكن بلفظ المنقذ أو المخلص، والفكر الوضعي البشري كافي هو الآخر بتصور إمكانية أو خروج منقذ أو مخلص يقود العالم إلى حيث الرخاء و العدل والطمأنينة .
استندت الرسالة على فرضية وهي إن عقيدة انتظار مخلص أو منقذ عالمي احتلت حيزاً واسعاً لدى الديانات السماوية وغير السماوية، وتركزت هذه العقيدة بشكل خاص في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر من خلال عقيدة انتظار الإمام المهدي (عج)، تعاملت ضمن إطار وتصورات ورؤى فكرية متميزة عن غيرها .
اعتمد البحث على منهجية علمية تمثلت في استخدام عدة مناهج لغرض التكامل المنهجي، وهي:
1-المنهج التأريخي، وذلك لأننا لا نستطيع دراسة أي موضوع دون العودة إلى جذوره التأريخية .
2-المنهج التحليلي الذي يحلل الموضوع في جوانبه المتعددة ويحاول استخلاص ما يمكن استخلاصه من أفكار من أجل الوصول إلى نتائج موضوعية بشأنها .
3-المنهج المقارن وذلك من خلال المقارنة بين الطروحات الفكرية المتعددة بين مختلف الأديان، وضمن إطار الدين الإسلامي ذاته .
وتم تقسيم هذه الرسالة إلى ثلاثة فصول، فضلاً عن المقدمة والخاتمة .
ففي الفصل الأول قامت الباحثة بدراسة ماهية الانتظار في العقائد الوضعية والعقائد السماوية وغير الإسلامية، ففي البحث الأول تم دراسة الانتظار في العقائد الوضعية، أما البحث الثاني فيتعلق بمفهوم الانتظار في العقائد السماوية غير الإسلامية .
أما الفصل الثاني فيتعلق بعقيدة الانتظار في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، ففي المبحث الأول تناولت الباحثة ماهية الانتظار في اللغة والاصطلاح وفي القرآن الكريم، وتناولت في المبحث الثاني عقيدة انتظار المهدي (عج) عند المذاهب والفرق الإسلامية، أما الرافضون لعقيدة انتظار المهدي والردود الواردة فيهم فتناولته في المبحث الثالث .
وفي الفصل الثالث تناولت الباحثة أثر عقيدة انتظار المهدي في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، ففي المبحث الأول تم دراسة نظرية الانتظار السلبي في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، أما المبحث الثاني فتم دراسة نظرية الانتظار الايجابي في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، والفصل الرابع تناول موضوعاً مهماً وهو إسهام عقيدة الانتظار الايجابي في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، حيث تم تقسيمه إلى مبحثين، ففي المبحث الأول، تناولت الباحثة: نظرية لشورى أما المبحث الثاني فتم التطرق فيه إلى نظرية ولاية الفقيه .
ومن خلال البحث تم التوصل إلى نتائج عدة وهي كالآتي :
1- إن عقيدة إنتظار مخلص أو منقذ أو مصلح عالمي ينشر العدل والرخاء في ظهوره، وتتطهر الأرض من الظلم والقهر، من العقائد البارزة التي تؤمن بها العقائد أو الديانات الوضعية (سواء أكانت سماوية أو فكراً إنسانيا وضعياً حيث كان للظواهر الطبيعية والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية دوراً في ظهور عقيدة الانتظار، وقد اختلفت شخصية هذا المنقذ عند العقائد الوضعية، فلاحظنا مثلاً انه النيل عند المصريين القدامى، وتارة أخرى تمثلت شخصيته بالإله تموز عند العراقيين القدامى، وأخرى تمثلت في شخصية (كرشنا) و(رامى) عند الديانة الهندوسية، وبوذى عند الديانة البوذية، وزر آدشت عند ديانة الفرس القديمة، وأخرى تظهر لنا بطبقة البروليتاريا عند المفكرين الماركسيين .
2- تلتقي العقائد الوضعية مع بقية الأديان السماوية الأخرى، كالديانة اليهودية والديانة المسيحية في عقيدة انتظار منقذ، والمنتظر المنقذ عند الديانة اليهودية هو المسيح المنتظر، وهو ليس النبي عيسى بن مريم (عليهما السلام) كما تعتقد به الديانة المسيحية، بل تؤمن الديانة اليهودية بأن الذي وعد به اليهود لم يأت، لذلك هم ما زالوا ينتظرون مجيئه ليحقق منجزاته الكبرى .
3- إن انتظار منقذ ومخلص لدى اليهود كان يأخذ أبعاداً وتيارات عديدة، فهناك تيار من يفسر انتظار المنقذ لظروف قاسية التي عاشها الشعب اليهودي أثناء وبعد السبي البابلي والذي أدى إلى اضطهادهم من الشعوب الأخرى، وتيار آخر يفسر بأن الانتظار هو فكرة غير أصيلة لدى الديانة اليهودية بل مستمدة من الديانات الأخرى نتيجة لخضوعهم لها كالديانة الفارسية، أما الاتجاه الآخر وهم الأصح، هو الذي يفسر هذه الفكرة بأنها أصيلة وذلك لوجود كثير من النصوص القدسية في مصادرهم التي يعتقدون بها .
4- تعتقد الديانة المسيحية، كاليهودية، بالمسيح المنتظر أو المخلص، لكنها تختلف في مسألة المجيء، فالديانة المسيحية تؤمن بأن مجيء المنتظر قد تم على يد المسيح عيسى ابن مريم (عليهما السلام)، لكن الذي ظهر بعد ذلك اعتقاد بأن مجيء المسيح المنتظر سوف يكون المجيء الثاني، وعليه فإن الديانة المسيحية تعتقد أن المسيح هو (المخلص) للشعب والمصحح لمسيرة اليهودية، وقد أطلق على هذا المخلص اسم (يسوع المسيح) أو ابن الله، وقد ورد ذكره في العديد من التنبؤات في كتاب العهد الجديد والتي تتحدث عن مخلص آخر الزمان.
5- إن عقيدة المسيح المنتظر احتلت مكاناً بارزاً في الذهن الأميركي، وذلك من خلال ظهور العديد من الاعتقادات بالانبعاث اليهودي وبالعصر الألفي السعيد، وبظهور المسيح المنتظر في الوجدان الأميركي حيث طوي الميل إلى الاعتقاد بإن عودة اليهود إلى فلسطين وإنشاء الدولة اليهودية شرط ضروري لمجيء المسيح المنتظر .
6- إن الديانتين اليهودية والمسيحية تلتقي مع العقائد الوضعية من حيث مضمون فكرة الاعتقاد بإنتظار منقذ أو مصلح أو مخلص ينقذ البشرية من الظلم، وان اختلفت أسباب هذا الاعتقاد كما بينا سابقاً، جوهره يكمن في الاضطهاد والظلم والقهر، وقد أضافت الديانتان اليهودية والمسيحية أسباباً أخرى جعلت من مضمون فكرة الاعتقاد بالمنتظر فكرة أصيلة وذلك لوجودها في معتقداتهم وتعاليمهم ومصادرهم القدسية .
7- تلتقي العقائد الوضعية والسماوية(اليهودية والمسيحية) مع الدين الإسلامي الذي يرى بضرورة الثورة العالمية ضد الظلم الذي أرتكب بحق الإنسان، وتعد عقيدة إنتظار مخلّص أو منتظر منقذ للبشرية من الظلم واحدة من العقائد المهمة بل والأساسية عند المسلمين، والمنتظر عندهم هو الإمام المهدي (عج) .
8- وعند متابعة الفكر الإسلامي لاحظنا أن عقيدة إنتظار المهدي (عج) هي موضع إتفاق بين غالبية المذاهب والفرق الإسلامية وذلك لأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي أوردت خبر المهدي (عج) وإنتظار الفرج في ظهوره ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وردت عند كل من أئمة وعلماء السُنّة والشيعة .
9- تعد عقيدة انتظار المهدي (عج) عند أهل السنة من العقائد المهمة، وهي حلقة الوصل بين العلامات الصغرى والعلامات الكبرى، فهي عندهم شرط من أشراط الساعة الكبرى، وأن الإيمان ببعثه واجب شرعي، وهو أصل من أصول العقيدة وذلك لبلوغ الأحاديث التي ذكرت خبره حد التواتر، ومن ينكر ويجحد خبر المهدي (عج) يدخل قي دائرة الكفر ويخرج عن الملّة .
10-المهدي (عج) عند أهل السُنّة هو الإمام (الخليفة) الذي سيقود المسلمين، وهو من أهل البيت نسباً، حيث ستكون خلافته، حسب إعتقادهم،على منهاج النبوة، وهو رجل شاب من المسلمين من آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ولد الحسين بن علي وفاطمة (عليهما السلام) وهو لم يولد بعد، أسمه محمد بن عبد الله، أي أسمه على أسم النبي (ص) وأسم أبيه على أسم والد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .
11- يؤمن المسلمون الشيعة الأثنى عشرية بعقيدة إنتظار المهدي (عج)، كما هو عند أهل السُنّة، حيث لا فرق بين الجميع في شخصيته ومواصفاته التي ذكرها الرسول (ص) ولا في علامات ظهوره ومعالم ثورته، لكن الفرق الوحيد هو في ولادته، حيث يعتقد أهل السنة انه لم يثبت انه مولود وغائب، بل سيولد ويحقق ما بشر به النبي (ص) ،بينما يعتقد الشيعة الاثنا عشرية بولادة المهدي (عج) حيث ولد في بيت أبيه الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) في سامراء في ليلة النصف من شعبان سنة 255 هـ
12- المهدي المنتظر (عج) عند الشيعة الاثني عشرية هو محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) .
13- أن للمهدي المنتظر (عج) عند الشيعة الاثني عشرية غيبتان ،صغرى وكبرى ،وان سبب الغيبة يتمثل في ظلم الحكام وتضييقهم ومحاولاتهم في قتله، وكذلك قلة ناصريه .
14- يعتقد الشيعة الاثنى عشرية بأن الإمام المهدي (عج) تولى الإمامة بعد وفاة أبيه الحسن العسكري (ع) وهو صغير السن، وكان عمره آنذاك خمس سنين، لهذا تسمى بالإمامة المبكرة وقد برر علماء الشيعة هذه القضية بقولهم : إن الإمامة هبة يمنحها الله تعالى لمن يشاء من عباده ممن تتوفر فيهم عناصر الإمامة وشروطها، واللطف فيض الهي، فمن لطفه سبحانه وتعالى ورحمته أن يهيئ للإنسان سبيل الهداية، وكذلك إن إمامة المهدي (عج) لم تكن الحدث الوحيد من نوعه، فقد أوتي النبي يحيى (ع) الحكم صبياً، كذلك هو الحال مع النبي عيسى (ع)، وقد أضاف علماء الشيعة تبريراً آخر وهو، إن الإمامة المبكرة ظاهرة سبقه إليها عدد من آباءه (عليهم السلام)، كإمامة محمد الجواد (عليه السلام)، وإمامة علي الهادي (عليه السلام) وإمامة الحسن العسكري (عليه السلام) والد القائد المنتظر (عج).
15- هناك إشكالية أثيرت على طول عمر الإمام المهدي (عج) وقد ورد عليها الباحثين من الشيعة الاثني عشرية من جانبين وهما: الجانب العقلي والجانب العلمي.
16- طرح الباحثون من إتباع الفكر السياسي الإسلامي الاثني عشري المعاصر سؤالا على أنفسهم وهو: ما الغاية من طول عمر الإمام المهدي (عج) ؟ وكانت إجابتهم متعلقة بجانبين هما: الجانب الأول يتعلق بشخصية الإمام لمهدي (عج)، وهي ضرورة إطالة عمره وذلك لان عملية التغيير الكبرى تتطلب قائداً قريباً من مصادر الإسلام الأولى قد بنيت شخصيته بناءً كاملاً، وبصورة مستقلة ومنفصلة عن مؤثرات الحضارة المادية التي يقدر في اليوم الموعود أن يحاربها. أما الجانب الثاني فيتعلق بالمنتظرين للإمام المهدي (عج) وذلك لعدم وجود العدد الكافي من الأنصار من الناحيتين الكمية والكيفية أدى بالنتيجة إلى تأخر ظهوره وطول عمره (ع) .
17-إن عقيدة انتظار المهدي (عج) على الرغم من أصالتها في الفكر السياسي الإسلامي إلا إن هناك من يرفض هذه العقيدة، وكانت مبرراتهم تتمحور بعدة جوانب منها: بأن المهدي (عج) هو عيسى بن مريم (عليهما السلام) استناداً إلى أحاديث ضعيفة، كذلك هناك من يبرر بأن أحاديث المهدي (عج) المروية عن الرسول (ص) كانت ضعيفة، ومن احتج بذلك كان (ابن خلدون)، وهناك من يرفض هذه العقيدة لأنه يعتبرها خرافة قد كونها الشيعة لكونهم قد تميزوا عن الفرق الإسلامية الأخرى وذلك لاهتمامهم المتزايد بهذه العقيدة، وأدت بالنتيجة إلى ظهور أدعياء البابية والمهدوية، ومنهم من يرفض عقيدة انتظار المهدي (عج) وذلك لأنه يعتبرها مستمدة أو مقتبسة من مصادر خارجية كاليهودية، وبعض آخر يرفضها ويبرر أن هناك عوامل داخلية تتمحور بالظروف الاجتماعية والسياسية أدت بالنتيجة إلى ظهور هذه العقيدة التي تقوم بتدعيم العامل النفسي للناس وخلق نوع من المشروعية في نفوسهم، وعلى الرغم من ذلك ظهر الكثير ممن يرد على مبرراتهم ومنها: أن حديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم وهو حديث ضعيف لا يستند عليه أما الرد على (ابن خلدون فان هذا الشخص يعتبر من الشخصيات المؤرخة وليس محدثاً من أهل الاختصاص في تخريج الأحاديث المروية عن الرسول محمد كذلك يمكن اختصار الردود عليهم هو في كثرة الأحاديث المروية عن الرسول (ص) وتواترها بين فرق المسلمين كافة، والتي ذكرت خبر المهدي (عج) وانه من أهل بيته وانه يملأ الأرض عدلاً مثلما ملأت جوراً .
18- إن عقيدة انتظار المهدي (عج) قد تركت أثراً واضحاً في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر وذلك من خلال إنتاجها نظريتين هما: نظرية الانتظار السلبي ونظرية الانتظار الايجابي .
19- إن نظرية الانتظار السلبي هي المفهوم والممارسة الخاطئة لعقيدة انتظار المهدي عند المسلمين، فأصحاب الانتظار السلبي عند الشيعة الاثني عشرية يعتقدون بأن مسألة ظهور المهدي (عج) تعتمد على تحقيق (الشرط الموضوعي) ويعنون به: هو امتلاء الأرض بالمفاسد والمظالم، كذلك يعتقدون بأن العمل السياسي في غيبة الإمام المهدي (عج) ليس صحيحاً لهذا يدعون إلى إلغاء مشروع الدولة الإسلامية، وتعطيل مبدأي الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهم في هذا الشأن عدة مبررات ومرتكزات يرتكزون عليها، وهي مجموعة من النصوص القرآنية والروايات المروية عن الرسول (ص) والتي تم تفسيرها بشكل خاطئ، والتي تدعو، حسب اعتقادهم، إلى عدم الخروج على السلطان الجائر خشية من هلاكهم، لذلك فهم في هذا الجانب يشتركون مع أهل السنة لكنهم يختلفون في سبب عدم الخروج، فأهل السنة لا يخرجون على السلطان الجائر وذلك خشية من الفتنة والفوضى التي ستحدث بين الناس في حالة إطاحتهم بالحاكم الجائر، وفي كل الأحوال إن هذه الأمور تتعارض مع النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعوا إلى عدم إطاعة الحاكم الجائر، أما خوفاً منه أو خشيةً من الفتنة، وذلك الأمر يؤدي إلى إبقاء الفساد وتكراره ويجعل الأمة بلا انتظار، لأن الانتظار الصحيح هو الاستعداد لخلق وصناعة المستقبل وفق القيم والمبادئ التي جاءت بها تعاليم الدين الإسلامي .
20- إن نظرية الانتظار الايجابي هي المفهوم والممارسة الصحيحة لعقيدة انتظار المهدي عند المسلمين، فأصحاب الانتظار الايجابي عند الشيعة الاثني عشرية يعتقدون بأن ارتباطهم بعالم الغيب لم ينقطع وإنهم بذلك يترقبون ظهور الإمام المهدي (عج) دائما وفي أي لحظه، كذلك يعتقدون إن انتظار الإمام لا يعني أن يتخلى المسلمون عن مسؤولياتهم وواجباتهم، بل الأمر على العكس من ذلك بل دعوا إلى تهيئة الأرضية المساعدة لإقامة حكومة العدل فيربوا الأفراد والمجتمع ليكون مجتمعاً يسعى نحو الحق، كذلك دعوا إلى مقارعة الظلم ، لذلك كانت نظرتهم إلى كل مسلم بأن يضحي في سبيل الإيمان والإسلام لكي يكون مستعداً في كل آن لاستقبال دعوة الإمام المهدي (عج) وذلك بأن ينظم حياته بشكل لا يتناقض مع دعوة الإمام المهدي (عج) لكي يكون مؤهلا للانخراط مع أتباعه وأنصاره ويقارع أعداءه بكل ثبات .
وعليه فان هناك عدة تكاليف يلتزم بها المسلم أثناء مدة غياب الإمام المهدي (عج) وهي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة فريضة الجهاد بشقيه الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي، والعمل بالتقية في الظروف القاهرة التي لا يستطيع فيها المؤمن أن يعلن عن مواقفه صراحة، فهي صيانة للنفس والعرض والمال، لكنها تحرم في ظروف أخرى إذا ترتب عليها مفسدة أعظم، كهدم للدين أو قتل للنفس أو ضرر بالغ على المسلمين، كذلك من تكاليف المؤمن أثناء فترة غياب الإمام هو انتظار فرجه والدعاء بتعجيل ظهوره، وذلك لأن الصبر على انتظار فرج ظهور الإمام المهدي (عج) يعد عبادة وجهاداً للمنتظرين المؤمنين حيث يعد عصر غيبة الإمام المهدي (عج) هو مدة لاختبار النفوس ضعيفة الإرادة التي لا تصبر على تحمل انتظار خروجه لذلك يحصل لديهم حالة من اليأس والقنوط في خروجه، فهم بهذه الحالة يفشلون في هذا الاختبار الإلهي، لذلك يجب على المكلف الصبر على انتظار وترقب ظهور الإمام المهدي (عج)، أما وجه الإكثار من الدعاء بتعجيل ظهوره لأن فيه تقوية للارتباط بالله سبحانه وتعالى، حيث تصنع في داخلهم حالة من الانصهار الروحي والوجداني مع الإمام المهدي (عج)، كذلك من تكاليف المؤمن أثناء فترة غياب الإمام المهدي (عج) هي التمهيد أو التوطئة العملية لظهور الإمام (عج)، أي بعبارة أخرى، تمهيد الأرض لظهور الإمام (عج) ويتم ذلك عن طريق تهيئة كوادر مدربة ومؤهلة لنصرة الإمام المهدي (عج) وإعدادها بشكل صحيح عن طريق التوعية والتربية الإيمانية والجهادية وتهيئة الأجواء الفكرية والنفسية لاستقبال الإمام (عج)، كذلك لابد من تهيئة الآلية السياسية والعسكرية والاقتصادية والإدارية والإعلامية لثورة الإمام (عج) وذلك لأن لهذه الثورة مهمة كبيرة تتمثل في مواجهة طغاة الأرض الذي يقفون بالضد من الإسلام، ومن تكاليف المؤمن أيضاً هي التعرف على علامات ظهوره (عج) وذلك لأنها تعدهم نفسياً وايمانياً واجتماعياً لاستقبال ظهوره والقيام بمسؤولياتهم لنصرة ثورته، أما أهل السنة فهم يشتركون مع الشيعة الاثني عشرية في هذه التكاليف ووجوبها على المؤمنين في مدة عدم ولادته ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذلك دعوتهم إلى الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي، حيث أنه على الرغم من إيمانهم بظهور المهدي (عج) فهم لا يعلقون إقامة الفرائض المطلوبة منهم شرعاً على ظهور الإمام (عج)، كذلك لا يتركون العمل لإقامة الحكومة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله عليها من نصوص شرعية تدعو إلى حماية الدين والدعوة إلى نشره، كذلك الدفاع عن المسلمين ومقدراتهم في حالة وجود المهدي (عج) وعدم وجوده.
21-ساد اتجاه، نظرية الانتظار الايجابي، الذي يؤمن بإقامة حكومة إسلامية تقوم بتحكيم الشريعة الإسلامية، وقد ضم هذا الاتجاه نظريتين تختلف في الآلية التي تعين صاحب الولاية في الدولة ومصدر شرعيته، وهاتان النظريتان هما: نظرية الشورى ونظرية ولاية الفقيه .
22-نظرية الشورى هي إحدى نتاجات مدرسة الخلافة لأهل السنة وبعض اتجاهات مدرسة الأمامية لدى الشيعة الاثني عشرية، حيث تعد الخيار الأبرز لمدرسة الخلافة، وذلك لتأكيدها على وجوب الشورى على الحاكم والزاميتها له، وبالتالي تؤدي إلى الحد من الاستبداد والتحكم والسيطرة وتقليص دور حكم المستبد والاهتمام بدور الجماعة، لكنها في الوقت نفسه، لم تجد التطبيق الفعلي لها في العصر الحديث ولم ترتبط بنظام معين في دولة معينة إلا في تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران، حيث تم التوصل إلى شكل من أشكال التنظيم السياسي الذي يوفق بين الانتخابات وبين مفاهيم الشريعة .
23-إن نظرية ولاية الفقيه في الفكر السياسي الاثني عشري المعاصر تعني بأن الحكم ينحصر فعلياً في الفقهاء، ويمنع عمن سواهم في الاشتراك فيه، أي إلغاء الدور السياسي للأمة وذلك لأنها تتعامل مع فقيه منصّب من عند الله (عز وجل)، لذا لا يمكنها الاعتراض عليه أو انتقاد سياسته، ويطلق على هذه النظرية تسمية (نظرية ولاية الفقيه المطلقة)، أما نظرية ولاية الفقيه المقيدة، أي المقيدة بدستور، يمكن أن يطلق عليها تسمية (نظرية ولاية الفقيه والشورى)، حيث أنها نظرية تتوسط بين نظرية ولاية الفقيه ونظرية الشورى، فهي تشترط في ولي الأمر أن يكون فقيهاً ولكن يتم اختياره عن طريق الشورى، أي انتخاب الأمة له،وهذا هو الذي يمنحه شرعية ممارسة الحكم .
24-إن نظرية ولاية الفقيه والشورى، هي النظرية الحاكمة فعلياً في النظام السياسي الإيراني المعاصر، على مستويي الدستور والتطبيق .
25-تلتقي نظرية الشورى لمدرسة الخلافة مع نظرية ولاية الفقيه لمدرسة الإمامة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر في معظم الأهداف، وفي مقدمتها السعي إلى تشكيل حكومة إسلامية تصون مبادئ الدين الإسلامي وتدفع الظلم عن المسلمين وذلك بالمحافظة على حقوقهم، كذلك فإن بعض اتجاهات مدرسة الخلافة يشترط العلم بالفقه في الحاكم، وهذا الرأي يلتقي، كما هو معروف، مع المدرسة الأمامية الاثني عشرية في هذا الموضوع، مما يسهل تشكيل قاعدة لتوحيد الركائز بينهما.