الرجوع للعدد الثالث
حفظ هذا المقال فقط
الفيدرالية هي شكل من أشكال الدولة المركبة، فهي اتحاد يضم عدة دول أو دويلات أو أقاليم تندمج في دولة جديدة وهي الدولة الاتحادية التي تنهض بجميع الاختصاصات الخارجية وتتقاسم الاختصاصات الداخلية مع الدويلات الأعضاء أي إن الدولة الاتحادية تظهر كدولة واحدة على الصعيد الدولي والعلاقة التي تحكم الدول أو الدويلات أو الأقاليم ليست معاهدة دولية كما هو الحال في الاتحاد الكونفيدرالي، وإنما الدستور والدولة الفيدرالية يمكن أن تنشأ بأحد طريقتين:

1.  فيدرالية اندماج: وهي أن تندمج عدة دول أو دويلات أو أقاليم مع بعضها ومثال ذلك الاتحاد الفدرالي في ألمانيا وكندا وسويسرا وأستراليا والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة .

2.   فيدرالية تفكك: تنشا عن طريق تفكك الأقاليم المكونة لدولة موحدة ويتشكل هذا النوع من الدول الفيدرالية تحت ضغط الاثنية (العرقية) داخل الدولة الموحدة والتي تسعى نحو نـوع من الاستقلالية عن الحكومة المركزية لا ليصل إلـى ن
حد إعلان الانفصال أو الاستقلال التام كما في الأرجنتين والبرازيل.
واختصاصات السلطة الاتحادية هي:

1.  في المجال الخارجي: إن الدولة المركزية الاتحادية تتولى كافة الشؤون الخارجية حيث يكون لها حق التمثيل السياسي الخارجي، كما يكون لدولة الاتحاد وحدها حق إبرام المعاهدات وغير ذلك من المسـائل الخارجية التي تتولاها دولة الاتحاد وتتصرف فيها.

ولكن على هذه القاعدة استثناءات، فجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق كروسيا البيضاء وأوكرانيا اعتبرت دولاً وانضمت للأمم المتحدة وفي الدستور الاتحادي الألماني سنة 1949م، اعترف للدويلات الداخلة في هذا الاتحاد بحق إبرام المعاهدات وما أشيع من أقوال حول مسودة الدستور العراقي وان من حق الدويلات الفيدرالية إبرام المعاهدات مباشرة لتسوية الحدود بينها أو إبرام معاهدات مع الدول الأخرى على أن لا تتعارض مع حقوق ومعالم الأقاليم، إن صح هذا القول فلنا عليه مأخذ، صحيح ما ذكرنا إن من حق الولايات الألمانية حق إبرام المعاهدات ولكن هذا استثناء والاستثناء لا يتوسع فيه وان كان من حق الأقاليم الفيدرالية إبرام المعاهدات فلا بد من التشدد بالشروط كان يشترط موافقة ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية حتى لا يكون إبرام المعاهدات خطوة نحو الانفصال، وبذلك يبدو أن الرأي الذي يرى تقيد المجال الخارجي للسلطة المركزية الاتحادية رأي أفضل بالنسبة لواقع العراق.

2. المظاهر الوحدوية في المجال الداخلي: لا تقتصر مظاهر الوحدة في الاتحاد المركزي على المجال الخارجي بل تتعداه أيضا إلى المجال الداخلي في بعض الوجوه فيوجد:

*      دستور مركزي موحد.
*      وجود هيئة تشريعية مركزية.
*      وجود هيئة تنفيذية مركزية .
*      وجود هيئة قضائية مركزية .

أولا: وجود دستور مركزي موحد: حيث يحدد اختصاصات كل من الحكومة المركزية وهيئاتها وهيئات الحكومة الفيدرالية، ومن المتفق عليه انه لا يمكن تعديل الدستور الاتحادي إلا بإجراءات خاصة ينص عليها الدستور الاتحادي، لذا نرى الدستور الاتحادي للولايات المتحدة يشرط للتعديل موافقة الثلثين أي ثلثي مجلس الكونكرس وكذلك موافقة ثلثي المجالس التشريعية للولايات، وهذا التشدد في التعديل له أسبابه فقد يتضمن التعديل مساسا باستقلال الدويلات فيغير في كيانها، وينقص من سيادتها.

ثانيا: وجود هيئة تشريعية مركزية: القاعدة المستقرة إن الهيئة التشريعية الاتحادية تقوم من حيث التشكيل على نظام المجلسين، فمجلس يقوم على أساس الانتخابات وبذلك يكون ممثلو الدولة أو الولاية الأكثر سكاناً هي الأكثر عددا ومجلس ثاني لتمثيل الدويلات على أساس المساواة فيما بينهما بغض النظر عن المساحة أو عدد السكان، وهذا ما جاء في م 3 ف 3 من دستور الولايات المتحدة يتألف مجلسين في كل ولاية، هما مجلس الشيوخ ومجلس النواب بمثل الولايات بالتساوي بواقع شيخين لكل ولاية، وبما إن ولايات أمريكية 50 ولاية، يفهم من ذلك وجود مئة شيخ في مجلس الشيوخ، ولكن يلاحظ إن قاعدة المساواة في تمثيل الدويلات بالنسبة لهذا المجلس غير مطلقة، فدستور ألمانيا الاتحادية يتكون من ممثلين يتراوح بين (3-5) تبعا لسكان الدويلة وهذا ما جاء في دستور ألمانيا الاتحادية سنة 1949 م50 ف2 لكل ولاية في المجلس ثلاث أصوات على الأقل ويكون للولايات التي يزيد عدد سكانها عن 6 ملايين نسمة 5 أصوات، ولكن مهما اختلف عدد ممثلي الدويلات المتحدة، فان لكل دويلة صوت واحد، مهما قل أو زاد عدد ممثلي الدويلة المتحدة، وبذلك نكون أمام تساوي في التصويت، إن مهمة السلطة التشريعية المركزية إصدار التشريعات الواجبة الإتباع وهي تتعلق غالبا بالأمور المهمة التي تخص الاتحاد والتي حددها الدستور الاتحادي ولذلك نجد في الدساتير الاتحادية السويسرية والأمريكية، إن الاختصاص التشريعي يكون للمجلسين التشريعين ومن ثم لا يمكن سن أي قانون إلا بموافقة كل من المجلسين عليه، ولذلك تقتصر مهمة برلمان الدويلات المتحدة أو الأقاليم أو الفدراليات على وضع التشريعات الداخلية الخاصة للدولة وفي حدودها فقط، مع مراعاة عدم تعارض هذه التشريعات مع التشريعات التي يقوم بوصفها البرلمان الاتحادي، ونلاحظ في عراقنا العزيز أنه لا يوجد إلا مجلس تشريعي واحد حسب قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية ويتم اختيار أعضائه بالانتخاب السري المباشر أما مجالس الدويلات أو (المجلس الوطني الكردستاني) يسمح بتعديل تنفيذ أي من القوانين الاتحادية في ما يتعلق بتطبيقها في إقليم كردستان عدا الأمور التي نص عليها م25 و م34 وف د. و م25 تتعلق بالسياسة الخارجية والأمن والدفاع والأمور المالية والجنسية، أما مادة 34 ف د فلا وجود لهذه الفقرة في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية؟ ونلاحظ مما ذكرناه سابقا إن المجلس الوطني الكردستاني له سلطة تعديل أي من تلك القوانين داخل منطقة كردستان وهذا مما يؤدي إن بعض القوانين ستطبق في العراق عدى إقليم كردستان وقوانين ستطبق على العراق بكل أجزائه، وهذا مما يخلق مشاكل ومنازعات وان كانت المحكمة الاتحادية العليا لها الحق في فصل هذه المنازعات ولكن لما لانحل المشكلة منذ البداية؟ فلابد إن تطبق القوانين الاتحادية في كافة أنحاء العراق وبدون استثناء.

ثالثا: الهيئة التنفيذية المركزية: وهذه الهيئة تمثل هيئة إتحاد وتختلف هذه الهيئة إذا أخذنا بالنظام الرئاسي كالمطبق في الولايات المتحدة أو نظام الجمعية المطبق في سويسرا، أو النظام البرلماني مثل ما هو مطبق في ألمانيا، ففي النظام الرئاسي في الدولة الاتحادية كالولايات المتحدة تودع السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية المنتخب من قبل الشعب وينفرد رئيس الدولة بتعين الوزراء وعزلهم وان كان لهذا النظام مزايا ولكنه يلائم الدول المتطورة ديمقراطيا واقتصاديا والتي يكون بها رئيس دولة يحترم الدستور والقوانين أما في الدول النامية فيبدو إن هذا النظام جعل من رؤساء الدول مستبدين وغابت الديمقراطية في ظلالها، أما ما طبق في سويسرا وهي التي تأخذ بنظام حكم الجمعية وتكون فيها الهيئة التنفيذية من أعضاء المجلس الاتحادي، وتقوم الجمعية الاتحادية بانتخابهم لمدة أربع سنوات، ويرأس المجلس الاتحادي رئيس الاتحاد ويكون له نائب ويتم انتخابه بصورة دورية ولمدة عام بواسطة الجمعية الاتحادية من بين أعضاء المجلس، نلاحظ هيمنة الجمعية على الحكومة حتى إن الحكومة خاضعة خضوعا تبعياً لها... ولا يمكن للحكومة أن تحل الجمعية كما هو الحال في النظام البرلماني أما في ألمانيا الاتحادية التي تأخذ بالنظام البرلماني، فتكون الهيئة التنفيذية من المستشار والوزارة الاتحادية، حيث يشترك كلاهما في ممارسة مهام الهيئة التنفيذية ففي النظام البرلماني تكون هناك انتخابات، ويكون صاحب حزب الأغلبية أو الائتلاف الذي حصل على اغلب الأصوات من يكون رئيس الوزراء وهو الذي يعين مجلس الوزراء ومجلس الوزراء مسئول أمام البرلمان ويملك كلاهما أي البرلمان والحكومة سلاح ضد الآخر فللحكومة حق حل البرلمان، وللبرلمان حق سؤال واستجواب وتحقيق وكذلك سحب الثقة من الحكومة، وعادة لا تلجا الحكومة إلى حل البرلمان إلا إذا كانت متأكدة أنها سوف تفوز في الانتخابات المقبلة، ونلاحظ إن قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لم يعط للحكومة حق حل البرلمان بينما أعطى في المادة 40 ف للجمعية الوطنية حق سحب الثقة سواء من رئيس الوزراء أو الوزراء مجتمعين ومنفردين وفي حالة سحب الثقة من رئيس الوزراء تنحل الوزارة بأسرها وتصبح المادة 40 (ب) نافذة ونلاحظ إن م 40 ف ب تذكر إن رئيس الوزراء والوزراء يظلون في مناصبهم لمزاولة أعمالهم مدة لا تزيد عن ثلاثين يوما إلى حين تشكيل مجلس الوزراء الجديد وهذا النظام البرلماني يصلح في التطبيق في الدولة النامية التي تخشى من استبداد الرئيس برأيه دون الرجوع  إلى الشعب أو ممثلي الشعب وعلى ما يبدو من قراءة قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية إن هذا النظام المطبق حاليا في العراق وما يشاع أيضا من مسودة الدستور انه سيكون النظام المطبق في الدستور الجديد؟ أما الهيئة التنفيذية للدويلة فلا يتعدى نطاق اختصاصه التنفيذي حدود هذه الدويلة، وان الفقه الدستوري يميز بين ثلاث طرائق مختلفة يمكن للهيئة التنفيذية الاتحادية أن تعتمدها في إدارة مهمتها وهي:

1. طريقة الإدارة المباشرة: وتتجسد في إنشاء الحكومة الاتحادية إدارات خاصة بها داخل الولايات الأعضاء وتكون هذه الإدارة تابعة لها مباشرة ومستقلة عن الدويلات، وتنفذ هذه الإدارات أوامر وقرارات الهيئة التنفيذية المركزية مباشرة، وهذا ما طبق في الولايات المتحدة .

2. طريقة الإدارة غير المباشرة: تتلخص هذه الطريقة في أن تعهد الحكومة المركزية إلى الدويلات ذاتها بمهمة التنفيذ داخل إقليمها بواسطة إدارتها وأجهزتها المحلية، ولكن تحت رقابة الحكومة المركزية، وهذا ما أكدته م 83 من دستور ألمانيا الاتحادية.

3. طريقة الإدارة المختلطة: وتتلخص هذه الطريقة بان تتوزع مهمة تنفيذ القوانين والقرارات الاتحادية داخل الدويلات بين موظفي الاتحاد في الدويلات وبين حكومات الدويلات ذاتها، وقد اخذ الدستور السويسري الاتحادي بهذه الطريقة، ومن نافلة القول، نستطيع ترجيح طريقة الإدارة المباشرة، لان واقع العراق مختلف عن موقع ألمانيا وسويسرا فتعد هذه الطريقة ضمانا لاستقرار الأوضاع ومراقبة الحكومة الاتحادية للأعمال التي تقوم بها الدويلات وهذا ما يبدو ملائما للوضع في العراق.

رابعا: الهيئة القضائية المركزية: تعد الهيئة القضائية الاتحادية (هيئة هامة)، حيث أنها تلعب دورا كبيرا بإصدار القرارات في الدولة الاتحادية، وذلك لحل المشكلات التي تنشا بين الدويلات المتحدة أو بين إحدى الدويلات والدولة الاتحادية حيث انه لا يمكن حلها بالوسائل الدبلوماسية، مادامت العلاقات بين هذه الدويلات ليست ذات طبيعة دولية، وإنما هي ذات طبيعة دستورية داخلية، كما أنها تقتضي البت في مدى دستورية أعمال الهيئتين التنفيذية والتشريعية في الدولة الاتحادية، كما أنها تتولى مراقبة مدى مطابقة قرارات محاكم الدويلات المتحدة للدستور الاتحادي، كما أنها تراقب مدى دستورية القوانين المحلية، أما في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية تبت المحاكمة الاتحادية كما جاء في المادة 43 ف د في القضايا التي تنشا من تطبيق القوانين الاتحادية ويكون تأسيس هذه المحاكم من اختصاص الحكومة الاتحادية حصرا، ويكون تأسيس هذه المحاكم بالتشاور مع رؤساء مجالس القضاء، وتوجد بالإضافة لذلك المحكمة الاتحادية العليا كما جاء في م 44 ف هـ (تتكون المجالس العليا الاتحادية من 9 أعضاء) فيقوم مجلس القضاء الأعلى بالتشاور مع المجالس القضائية للأقاليم بترشيح مالا يقل عن ثمانية عشر إلى سبع وعشرون فردا لملئ الشواغر في المحكمة المذكورة، ويقوم بالطريقة نفسها، فيما بعد بترشيح ثلاث أعضاء لكل شاغر لاحق يحصل لسبب الوفاة أو الاستقالة أو العزل ويقوم مجلس الرئاسة بتعين أعضاء هذه المحكمة وتسمية احدهم رئيسا لها، ومن صلاحيته وفقاً م 44 ف ب: (1) الاختصاص ألحصري أو الأصيل في الدعاوى بين الحكومة العراقية الانتقالية وحكومات الأقاليم وإدارات المحافظات والبلديات والإدارات المحلية، (2) الاختصاص ألحصري والأصيل بناءاً على دعوى من مدعي أو بناءا على إحالة من محكمة أخرى، في دعاوى بان قانونا أو نظاما أو تعليمات صادرة عن الحكومة الاتحادية أو الحكومات الإقليمية أو إدارات المحافظات والبلديات والإدارات المحلية لا تتفق مع هذا القانون، و لنا على ما جاء في هذه الفقرة ملاحظة، فيا حبذا لو إن المشرع للدستور العراقي ذكر إن من حق المحكمة الاتحادية العليا أن تنظر في هذه الأمور من تلقاء نفسها بغض النظر إن كانت هناك دعوى من مدعي أو بناء على إحالة من محكمة أخرى، في دعاوى بان قانونا أو نظاما أو تعليمات صادرة عن الحكومة الاتحادية أو الحكومات الإقليمية أو إدارات المحافظات والبلديات والإدارات المحلية لا تتفق مع هذا القانون .

ولنا على ما جاء في هذه الفقرة ملاحظة، فيا حبذا لو إن المشروع الدستوري العراقي ذكر إن من حق المحكمة الاتحادية العليا إن تنظر في هذه الأمور من تلقاء نفسها بغض النظر إن كانت هناك دعوى من مدعي  أو بناء على إحالة من محكمة أخرى .

وأضافت مجلة الوقائع العراقية اختصاصاً آخر هو الاستئناف في دعاوى القضاء الإداري، ويا حبذا لو أن المشرع العراقي اخذ بما ذكرناه من ملاحظات وما سنذكره الآن:

1. ليس من الضروري في الدولة الاتحادية وجود مجلسين تشريعيين مركزيين، فيمكن أن يكون هناك مجلس اتحاد مركزي واحد، كدولة الإمارات العربية المتحدة.

2.   يمكن أن توجد مركزية لا إدارية داخل الدولة الاتحادية المركزية، وداخل الحكومة الفيدرالية.

3. يمكن أن يوجد دستور مركزي واحد ولا يوجد في الأقاليم الفيدرالية دساتير وهذا ما أخذت به دولة الإمارات العربية المتحدة.

4. نتمنى من المشرع الدستوري العراقي أن يعطي صلاحيات للمحكمة الاتحادية العليا في الحق بالنظر في شرعية القوانين من تلقاء نفسها.

5. نرى إن في الدولة الاتحادية المركزية أن تبدل نسبة التعديل إلى ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية، أما بالنسبة للأمور المهمة كالدفاع والأمن وإنشاء أقاليم فيدرالية فيشترط إضافة استفتاء شعبي يجرى على هذا الأمر.

6. إن كان التعديل يمس الإقليم الفدرالي فيشترط إضافة لما ذكرنا من النقطة الخامسة موافقة المجلس الإقليمي المنتخب وبنفس النسبة.

المظاهر الاستقلالية في المجال الداخلي :

في الدولة المركبة الاتحادية الفيدرالية تتعدد السلطات، فمنها ثنائية السلطة التشريعية، وثنائية السلطة التنفيذية، وثنائية السلطة القضائية وفي أكثر الدول يوجد دستورين احدهما مركزي (اتحادي) وأخر داخلي في كل ولاية، أما عن توزيع الاختصاصات الداخلية بين الدولة الاتحادية والدويلات المتحدة فيكون أما:

1.  أن يحدد الدستور الاتحادي اختصاصات حكومات الدويلات على سبيل الحصر، ويكون ما عداه من اختصاص حكومة الاتحاد وهذا ما فعلته كندا وفنزويلا.

2.  وقد يحدد الدستور الاتحادي اختصاصات الاتحاد حصرا وما عداه يكون من اختصاص الدويلات المتحدة وهذا ما أخذت به الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة .

3.  أن يحدد الدستور اختصاصات الحكومة المركزية وحكومات الدويلات المتحدة على سبيل الحصر وما يعاب على هذه الطريقة، إن توزيع الاختصاصات لن يكون شاملاً مهما كان دقيقا لأنك سريعا ما تجد مسائل لم يتناولها الدستور الاتحادي بالتنظيم، مما يكون سببا في إثارة خلافات بين الحكومة الاتحادية وحكومات الدويلات الأعضاء.

وعلى الرغم من ذلك أي من تعدد الطرق، لجأت الدول إلى طرق أخرى مثل :
*   أن تنص الدساتير الاتحادية أحيانا على بعض المسائل المشتركة بين دولة الاتحاد والدويلات المتحدة بهدف تمكين الدويلات من ممارسة بعض الاختصاصات تحت إشراف ورقابة الحكومة المركزية، التي تملك شأن هذه الأمور سلطة وضع الأسس العامة والمبادئ الرئيسة، ولكن للدويلات المتحدة أن تتولى التفصيلات في مرحلة التنفيذ .

*   كما إن الدساتير الاتحادية كثيراً ما تنص على بعض المسائل الاتحادية، على اختصاص الدويلات المتحدة فيها اختياريا، بحيث تستطيع ممارستها ما لم تمارسها الحكومة المركزية الاتحادية.

ونتمنى من المشرع الدستوري العراقي لو يأخذ بطريقة أن تكون للولايات أو الأقاليم تواضع، آلية اختصاصات حصرية والبقية من اختصاص الحكومة المركزية الاتحادية فلو إن المشرع الدستوري العراقي في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية أبدل كلمة (حصـرا) بـ(على سبيل المثال)، أما بالنسبة لتوزيع الثروات، فان ما جاء في المادة 25 ف هـ تقسيما عادلا برأي المتواضع.

فقد ذكرت الفقرة هـ 1 إدارة الثروات الطبيعية للعراق والتي تعود لجميع أبناء الأقاليم والمحافظات، توزع الواردات الناتجة عن هذه الثروات عن طريق الميزانية العامة وبشكل منصف، يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع الأخذ بنظر الاعتبار المناطق التي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق، ومعالجة مشاكلها بشكل ايجابي، واحتياجاتها ودرجة التطور في المناطق المختلفة من البلاد، ولتقريب الصورة بشكل أكثر واقعية لو أخذنا مثلا مدينة البصرة والكثافة السكانية التي تزيد عن المليون قد حرمت من قبل النظام السابق، واحتياجاتها كثيرة فمثلاً لا يوجد لديها مياه صالحة للشرب، وهي بحاجة إلى التطور في المناطق المختلفة، كبناء مرفأ لرسو السفن في البصرة ومصانع لتكرير النفط، وحول ما يشاع من أخبار حول مسودة الدستور بان يكون 5%من إيراد المنطقة التي يستخرج منها الموارد الطبيعية للمحافظة و35% للحكومة الاتحادية المركزية و60% لحكومة الإقليم فنرى إن هذا التوزيع غير عادل وسوف يخلق مناطق وأقاليم غنية ومحافظات وأقاليم فقيرة داخل البلد الواحد.

وكذلك ما جاء في م53 ف ج من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية تبين انه يحق لمجموعة من المحافظات خارج إقليم كردستان لا تتجاوز الثلاث فيما عدا بغداد وكركوك بتشكيل أقاليم فيما بينها، وللحكومة العراقية المؤقتة أن تقترح آليات لتشكيل هذه الأقاليم، على أن تطرح على الجمعية الوطنية المنتخبة للنظر فيها وإقرارها ويجب الحصول بالإضافة إلى موافقة الجمعية الوطنية بتشكيل إقليم جديد على موافقة أهالي المحافظات المعنية بالأمر بواسطة الاستفتاء، يفهم من النص المقدم إن الفيدرالية أو تكوين الأقاليم حسب قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية يتكون من (محافظتين أو ثلاثة) فقط وما عدا بغداد وكركوك، فإذا أرادت     أكثر من ثلاثة محافظات تشكيل إقليم فيدرالي فالنص ف ج م 53 يمنع ذلك، إلا لو عدل هذا النص بموافقة 3/4 أعضاء الجمعية الوطنية وإجماع مجلس الرئاسة، أو تأجيل هذا الأمر حتى تشكيل دستور دائم للنظر فيما يقوله الدستور الجديد.

العوامل المؤثرة في الاتحاد:

هناك عدة أسباب تدعو الدول للدخول في اتحاد فيدرالي:
*       الشعور بالتجانس الثقافي والاجتماعي.
*       اتساع رقعة الدولة الجغرافية والتجاور الجغرافي، كأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية.
*       الشعور بوجود خطر مشترك كما فعل الأمريكيون، وكما فعل الهولنديون.
*       تشابه النظم السياسية، فلا يمكن تصور نظام فيدرالي بين نظام ملكي ونظام جمهوري.
*       توافر الموارد المالية الكافية.

مزايا الفيدرالية:
1.  التطور التاريخي ملائم للفيدرالية، فالمستقبل يدفع إلى التجمعات والوحدات الكبرى في إطار من الحرية ومن خلال تحقيق التوازن القوي، وهكذا تبدو الفيدرالية كوسيلة للحد من تجاوزات السيادة وتجنب التنازعات التي تنشأ بين الدول المستقلة.

2.  إن الفيدرالية هي الحل الأمثل لحل المشاكل الاقتصادية والسياسية، فلكي نكون أمام دولة قوية لابد من توفر إقليم واسع وموارد كافية.

3.  الفيدرالية هي صمام الأمان الذي يمنع انفجار القوى الاستقلالية داخل الدولة خاصة من الدول المتعددة الجنسيات، حيث تتعايش قوميات واثنيات ومجموعات ثقافية متعددة وأحيانا متناقضة.

4.      تفهم مشكلات كل إقليم بكل وضوح.

5.      خلق روح الإبداع للعمل في الإقليم الجديد.

6.  حكومة الإقليم هي الأقدر على مواجهة مشاكل الإقليم وتشخيص الخلل بشكل شفاف، ولكن على الرغم من هذه المزايا قد تكون الفيدرالية خطوة نحو الانفصال إذا كان الحكام وأعضاء البرلمان يسعون نحو دولة مستقلة فلذلك لابد من وجود ضمانات تكفل تحقيق هذا الأمر فمثلا يذكر في الدستور انه لا يجوز لأي إقليم فيدرالي الانفصال عن  الدولة الاتحادية المركزية، ويحق للدولة الاتحادية المركزية استخدام كافة الوسائل للحفاظ على وحدة البلاد وعدم استقلال أي إقليم منها وكذلك بان تحدد اختصاصات حكومة وبرلمان الإقليم الفيدرالي على سبيل الحصر بحيث لا يمكن تجاوزها.

7.  الأمور المالية والجيش ورسم السياسة الخارجية وقوى الأمن والشرطة تبقى بيد الحكومة المركزية، ووجود إدارات من الحكومة المركزية تراقب أعمال السلطة التنفيذية المركزية ضمان آخر.

8.  يجب الحرص على جعل الفيدرالية فيدرالية جغرافية وليست فيدرالية طائفية أو قومية، لان الأمر الأخير يهدد وحدة العراق ويخلق مشاكل جسيمة لا يمكن التوصل إلى حل مرضٍ.

الفيدرالية بين الواقع والطموح
علي شاكر البدري
باحث قانوني