قادت سياسات النظام السابق إلى هدر مالي وبشري ودمار سياسي واقتصادي واجتماعي، ونجم ذلك عن الممارسات الإرهابية المحلية وحروب النظام الخارجية، فضلا عن مدة الحصار التي تسببت بخسارة البلاد لجزء مهم من العوائد النفطية التي كان بالمكان استخدامها في إحداث التنمية الشاملة، كما إن عزل العراق عن العالم الخارجي والآليات المعقدة والمقيتة لذلك الحصار متعدد الأبعاد أدى إلى إهلاك الكثير من المعدات والأجهزة ومستلزمات البنية التحتية، وأضافت الحرب الأخيرة في عام 2003 الكثير والمزيد من الدمـار وانتشــار الفوضـى والنـهب والسلب والسرقات والحرائق، فضلا عن إلغاء العديد من المؤسسات الاقتصادية وزيادة أعداد العاطلين عن العمل، وإشاعة حالة عدم الاستقرار وهكذا انتشرت مساحة الفقر والبطالة والإمراض وتلوث البيئة، علاوة على الديون والتعويضات الخارجية والتضخم وتدهور قيمة العملة العراقية.
من هنا تبرز أهمية تشكيل رؤية من شأنها أن تكون إستراتيجية اقتصادية للسنوات القادمة وبالتالي إمكانية تحقيق الإصلاح الاقتصادي في البلاد والنهوض بمتطلبات التنمية الشاملة، ومن البديهي والمنطقي في أي اقتصاد ولأية دولة أن تكون هناك إستراتيجية للتنمية الاقتصادية، تلك الإستراتيجية التي تحدد ملامح الاقتصاد في أي مرحلة من مراحل النمو الاقتصادي وذلك كي يتسنى تحديد العوامل التي ستؤثر في العملية الاقتصادية وكذلك المؤشرات التي تظهر خلال تنفيذ الخطط الاقتصادية للمؤسسات والمشاريع والشركات المعنية بعملية التنمية الاقتصادي، وكما تحدد لنا قدراتنا ومواردنا التي يمكن من خلالها تحديد الاستغلال الأمثل للطاقات المتاحة، وبالتالي تحديد مكان السلب والإيجاب في مستوى الأداء الاقتصادي، وهذا ينطبق على جميع البلدان التي تحصل فيها هزات اقتصادية ومجتمعية كبيرة، فكيف بالعراق الذي حدث فيه ما حدث من هزات سياسية واقتصادية وهزه كبرى على صعيد المجتمع، ومن هنا فان تحديد رؤية إستراتيجية للاقتصاد العراقي في المرحلة القادمة يأخذ أهمية كبيرة لكون ذلك يحدد ملامح وطبيعة المرحلة التي نمر بها كعراقيين ونحدد الملامح التي تساعدنا على أن نبني اقتصادا على أسس جديدة ومتينة تضمن لأجيالنا القادمة الرفاهية والاطمئنان من هنا فإن الرؤية الإستراتيجية للعراق ما بعد انتخابات 15/12/2005 تعني أن العراق ستشكل فيه حكومة دائمة تستمد شرعيتها من الشعب والدستور الدائم، ولذلك فإن من واجباتها هو أن تبنى تلك الإستراتيجية الناجحة للتنمية الاقتصادية، والتي يجب أن نفهم بأنها شراكة بين الدولة والقطاع الخاص ومصلحة المجتمع، لتكون هذه العناصر الثلاث من خلال تلك الإستراتيجية العناصر الأساسية في بناء التنمية الاقتصادية السليمة، ومن هنا يتطلب هذا الأمر تحديد أهم الأبعاد والمحاور التي تتضمنها تلك التنمية:
1. لابد من تشخيص وتحديد الظروف الخاصة التي يمكن أن تساعد في تحقيق التنمية .
2. يتطلب من الدولة أن تقوم بدور أساسي في خلق البيئة المناسبة لنجاح المشاريع الاقتصادية وبالتالي خلق فرص العمل .
3. تحديد قدرة المجتمع على التكيف مع التغير في الاقتصاد العالمي ومواكبة سرعة هذا التغيير .
4. خلق أسواق متنافسة في ما بينها وبشكل يؤدي إلى تنشيط خصوصيات المجتمع على مستوى المحافظات (أو الأقاليم) كي تكون مصدر دعم لقدرات المجتمع على التفاعل مع التنوع في حاجات المجتمع.
5. بناء وتحديد المؤسسات الدائمة لعملية التنمية الاقتصادية لتكون عونا مهما في بدأ النهضة الاقتصادية.
6. تحديد مصادر التمويل على المستويين المحلي والدولي.
ومن خلال ما تقدم فان بناء إستراتيجية التنمية المحلية إن كانت على مستوى البلد أو على المستوى المحلي (المحافظات والأقاليم) يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار كل العوامل التي تؤثر في تطبيق تلك الاستراتيجيات وحتى في بناء سياساتها فعندما نحدد ونؤشر جوانب الخلل في الاقتصاد كان على مستوى المناطق (الحضرية أو الريفية) أو على مستوى الأقاليم أو المستوى الدولي، نكون في بناءنا الإستراتيجية التنموية قد حددنا الركائز الأساسية التي من خلالها تتمكن من الانطلاق نحو سياسات اقتصادية سليمة قدر الإمكان، وبالتالي فان تحقيق النمو الاقتصادي يعتمد على ما يلي:
1. مستوى نوعية الإدارة المحلية للمحافظات أو الأقاليم وهذا يتضمن توفير البنى التحتية من طاقة كهربائية ووسائل نقل ومياه والصرف الصحي والاتصالات ومجتمع لديه وعي ورغبة في آنٍ واحد للتطور والنمو.
2. تعديل وتحسين السياسات والإجراءات التي يقوم بها في مرحلة لاحقة المستثمرين الأجانب والمحليين في إطار السلطة المحلية وإلغاء الأنظمة المعقدة .
3. تهيئة العوامل والعناصر التي من شأنها أن ترفع من إنتاجية العمل في الاقتصاد المحلي مما يحدث اثر اكبر في التعجيل بعملية التنمية وبكفاءة عالية وتندرج في إطار تلك العوامل، كتوفر السكن والخدمات الصحية والتعليم وتنمية المهارات وتوفير الأمن والاستقرار .
4. بناء الهياكل القانونية والتنظيمية سوف يعزز بناء مناخ مناسب للاستثمار، وكذلك إزالة القيود التنظيمية للمعاملات التجارية مما يحقق مرونة في التعامل مع الاستثمارات وبما يجعل حركتها سريعة وآثار عائداتها مجدية للمستثمر والحكومة المحلية أو الإقليمية (إن وجدت) .
5. يجب أن يكون هناك انفتاحاً عالميا بما يحقق الترابط التنموي على الصعيدين المحلي والدولي .
6. تحديد المميزات الخاصة بالمجتمع في المحافظات والأقاليم والتي من شأنها أن تجذب الاستثمار وهذه المميزات تختلف من مجتمع لآخر مما يعني بأنها سوف تجعل من نسبة الاستثمار في موقع معين ذات جدوى من الاستثمار في موقع آخر .
7. لابد من أن تستهدف الخطط التنموية التخفيف من الفقر وإدخال الشرائح المحرومة في عملية التنمية وبالتالي تطوير قدرات هذه الشرائح .
إذن فان بناء الإستراتيجية الاقتصادية للعراق في ظل حكومة منتخبة دائمة ودستور دائم يتطلب منها شمولية الخطط التنموية وبما لا يتقاطع مع الخطط الجزئية للمحافظات والأقاليم والعكس صحيح أيضا، فضلا عن توفر القيادات المخلصة والمؤمنة والصادقة التي تتعامل مع تنفيذ تلك الخطط مما يولد المصداقية لدى المجتمع وبالتالي التفاعل مع الخطط وتحويلها إلى واقع معاش وبشكل مستمر، كما إن العزم السياسي أو القدرة السياسية لحشد الطاقات وتحديد الأهداف الاجتماعية التي يراد تحقيقها من خلال عملية التنمية، فضلا عن توفر الدعم المالي من داخل المحافظة أو الحكومة وكذلك الدعم الفني سوف يعطي للتنمية دفعات قوية نحو الأمام، ولذلك فان من الشروط المهمة في تنفيذ الخطط التنموية هو توفر القدرة على بناء الإدارات وفرق العمل التي ستنفذ الخطط لما له من أهمية في سير تلك السياسات والخطط بشكل سليم.
وخلاصة القول أن تبني إستراتيجية اقتصادية من شأنها أن تحدث عملية التحول الاقتصادي في العراق يحتاج إلى شروط ومقومات نرى أنها متوفرة جميعا، وقبل وبعد ذلك كله إننا نحتاج إلى من يكون الهدف والمحور في كل هذه العملية ألا وهو الإنسان، فبدونه لا يكون هناك بلدٌ اسمه العراق.