لم تعد السياحة مسألة ثانوية أو ترف كما يتصورها البعض، بل هي ضرورة وظاهرة إنسانية وحاجة اجتماعية في ضوء تعقد ظروف الحياة.
فقد كانت السياحة مورداً أساسياً تعتمد عليه الدول في بناء اقتصادياتها من خلال زيادة الدخل القومي وزيادة متوسط نصيب الفرد وزيادة الاستخدام.
فالسياحة الدينية التي هي جزء من السياحة بمفهومها العام تحتل منزلة في نفوس البشر لإشباع حاجاتهم الروحية إذ كان الدفع الرئيسي لقيام الأشخاص بزيارة الأماكن المقدسة التي ساهمت بتنمية هذه المواقع وبالتالي تطور المدن التي تحتضنها، فالعراق يعد بلداً سياحياً يفتخر باحتفاظه بمزايا السياحة الدينية الإسلامية لاحتوائه على الأماكن المقدسة في النجف الأشرف وكربلاء وبغداد وسامراء ولما هذه المواقع من عشق روحي في نفـوس المسلمـين
ولما يمكن أن تلعب هذه الأماكن في زيادة النشاط السياحي الديني الذي يؤدي بالتالي دوراً إيجابياً فاعلاً في التنمية الاقتصادية في العراق.
لقد حددت مشكلة البحث بامتلاك العراق لمقومات الاستثمار السياحي من إمكانيات سياحية وإمكانيات مادية تمويلية، إلا أنه هناك فجوة بين هذه الإمكانيات وواقع الاستثمار في السياحة الدينية في محافظة كربلاء.
ولقد اعتمدت الرسالة على فرضية مفادها إن محافظة كربلاء تمتلك إمكانات متقدمة يمكن أن تكون مركزاً متميزاً للسياحة الدينية إذا ما تم استثمار تلك الإمكانات وتوفير مستلزمات العرض السياحي.
كما حددت جملة أهداف للبحث منها التعرف على الاستثمارات السياحية في العراق والتعرف على الاستثمارات السياحية الدينية في محافظة كربلاء ودراسة واقع العرض وطبيعته والطلب السياحي لهذه المدينة المقدسة وتحليل دالة الاستثمار السياحي من خلال العوامل المؤثرة فيه وقياس توجهات السائحين الوافدين وتوجهات رجال الأعمال المستثمرين عن طريق دراسة استبيانية.
ولقد استخدم الباحث في منهجيته البحثية أساليب متنوعة للوصول على أفضل النتائج، فقد استخدم الأسلوب الوصفي والتحليلي والاستنباطي لتحديد الدور الاقتصادي لصناعة السياحة في العراق عموما ً وكربلاء بالخصوص.
كذلك استخدمنا الأسلوب الكمي في أغلب الجوانب النظرية والتطبيقية لأنه في أغلب الأحيان يكون أكثر إقناع للقارئ.
واستعان الباحث بدراسة استبيانيه لعينة من رجال الأعمال المستثمرين وعينة أخرى من السائحين من جنسيات مختلفة ليتناغم مع الصيغ الرقمية.
أما هيكلية الرسالة فقد احتوت على أربعة فصول ناقش الفصل الأول منها ثلاث مباحث الأول منها كان عن أساسيات السياحة والثاني عن الاستثمار ومفاهيمه والمبحث الثالث عن الاستثمار السياحي ومجالاته.
أما الفصل الثاني فاشتمل على ثلاث مباحث تضمن الأول منها تحليلا ً لأنواع الاستثمارات السياحية في العراق (الحكومي والخاص والمختلط للمدة من 1980 -2000).
في حين تناول المبحث الثاني مقومات الاستثمار ومعوقاته كذلك ركز المبحث الثالث على تحليل الآثار الاقتصادية للنشاط السياحي في العراق على الناتج المحلي وميزان المدفوعات ومستوى الاستخدام وتطور أعداد العاملين للمدة من 1990 ـ 2000.
أما الفصل الثالث فقد تناول ثلاثة مباحث كان الأول منها متضمناً نبذة تاريخية عن كربلاء وتاريخ السياحة الدينية وأسباب العرض السياحي الديني وما تحويه كربلاء من آثار في ذاكرة المستشرقين في حين تناول المبحث الثاني العرض السياحي في كربلاء بما تتميز به المدينة من مكونات طبيعية من أراضي زراعية ومياه وكذلك قدمنا شرحا ً للصناعة التي كانت متممة للعملية السياحية، كذلك تناول المبحث نفسه عرض المكونات البشرية والتي تكون مراقد الأئمة عليهم السلام التي هي المادة الأساسية للمعروض السياحي، وتطرق أيضا ً إلى المرافق والخدمات العامة ومنها الخدمات التحتية وشرح مسهب لمفاصل الخدمات من شبكات الكهرباء والماء ومياه الصرف الصحي والاتصالات وخدمات الصناعة الفندقية وتطورها للمدة من 1990-2004 ودراسة الأيدي العاملة الماهرة وغير الماهرة ودورها في تقليل نسب البطالة.
أما الفصل الرابع فاشتمل على ثلاث مباحث أيضا ً تناول المبحث الأول منها قياس دالة الاستثمار السياحي في محافظة كربلاء عن طريق قياس أحد مخرجات الاستثمار السياحي وهو عدد الأسرة وتناول الباحث في المبحث الثاني دراسة استبيانيه بنوعين الأول وزعت للسائحين والثاني وزعت لرجال الأعمال، أما المبحث الثالث والأخير فقد ركزنا فيه على الرؤية الاستشرافية لصناعة السياحة في كربلاء وصياغة آليات لصناعة السياحة مستقبلاً ولمدة عشر سنوات قادمة.
فقد تم التنبؤ بأعداد السياح والإيرادات ومستوى الإنفاق ومستوى الخدمات العامة التحتية كما أعطى الباحث تصورا ً لخطة هيكلية لوزارة السياحة وآليات فصل شعبة سياحة كربلاء والأسباب الموجبة لذلك.
لقد توصلت الرسالة لمجموعة نتائج أهمها إن عدد السياح هو المتغير الأكثر تأثيراً في زيادة رغبة المستثمرين، فعند زيادة عدد السياح نسبة 1% يزاد عدد الأسرة نسبة 0.997 في ظل توافر الظروف الأمنية ونسبة 0.666 في ظل الظروف الاستثنائية
كذلك تبين إن هناك خلل وعجز واضح في خدمات البنى التحتية مثل شبكات الكهرباء والماء والصرف الصحي والاتصالات والتي كان لها تأثير مباشر على نشاط السياحة الدينية في المحافظة كما اتضح لنا بأنه ستشهد محافظة كربلاء زيادة في أعداد السياح خلال السنوات القادمة في ضوء معدلات النمو المتوقعة إذ سيزداد العدد نسبة 115% عام 2014 قياساً بعام 2003 ومن المحتمل أن تزداد الإيرادات وأعداد الأسرة والطلب على الأيدي العاملة في النشاط السياحي بنسبة 105%، 244%، 103% على التوالي خلال الحقبة المذكورة.
لقد توصلت الرسالة إلى جملة من التوصيات منها العمل على تطوير آليات مقومات الاستثمار السياحي في كربلاء من خلال زيادة توظيف رأس مال المستثمر كذلك تطوير خدمات البنى التحتية من خلال تحديد مناطق الخلل ويتم ذلك من خلال إقامة مطار لخدمة نشاط السياحة الدينية وربط كربلاء بشبكة سكة حديد مع المحافظات والدول المجاورة وإقامة سوق حرة تسهل عملية التبادل التجاري وتشجيع السائحين لأسباب إضافية ودعم الصناعات الشعبية ومنها صناعة مكملات الصلاة كذلك العمل على إشاعة الأمن والاستقرار الذي يعد من أهم العوامل الأساسية في زيادة رغبة السائح بالقدوم أو المستثمر بالاستثمار والعمل على تطوير الصناعة الفندقية وفق المعايير العالمية ودعم القطاع الخاص كذلك يتطلب تطوير خدمات البنى التحتية التي منها شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي الذي يكون من صميم مهام القطاع الحكومي.