الرجوع للعدد الثالث
حفظ هذا المقال فقط
     في زمن الالتباس الذي يخيم على كثير من الأمور في هذا البلد، وتنعكس فيه الصور بألوان شتى، يكون التأكيد على حقيقة شامخة، تقف بقوة وزهو كزهو النخيل ومنارة كربلاء، تلك الحقيقة التي لابد من تكرارها والتأكيد عليها ألا وهي، إن من يهمه حقاً العراق بلدٌ وشعبٌ، يتوجب عليه أن يقف مع الكشف عن جراحه، لا التستر عليها تحت أي ذريعة، فالخوف يولد مزيداً من الخوف ولن ينقذ العراق من ظلمائه إلا شجاعة قول الحق، والوقوف الواضح والجريء والعلني ضد كل الجرائم والمنكرات والكبائر التي أغرقت العراق في بحور من الدم والوحشية المقيتة.

في يوم الخامس عشر من شهر تشرين الثاني من عـام 2005، كانت هناك تجربة جديدة مر بها العراق بعيداً عن الدكتاتورية، هناك من قال (نعم) لمسودة الدستور وهناك من قال (لا) لتلك المسودة، وكان النداء هو الوطن، والعراق لم يكن في يومٍ ما حزباً سياسياً أو حركة سياسية يستهوي برنامجــها الجماهـير، بل كانت الوطنية ذلك البرنامج الأصيل الذي دفع بالملاييـن إلى التوجه نحــو صنـاديق الاقتراع، وحين دخلت تلك الجـموع لم تجد في مراكز الاقتراع ما وجدته من حضور كثيف من قبل ممثلي الكيانات السياسية كما حصل في الانتخابات التي جرت في كانون الثاني 2005، حينها انتصر الوطن بمفهومه الواسع، على الأفكار الضيقة والتحزب الأعمى.

     في يوم الخامس عشر من شهر كانون الأول من عام 2005، توجه الملاين من العراقيين نحو صناديق الاقتراع وللمرة الثالثة، في ممارسة ديمقراطية جديدة، يحدوهم الأمل بأبصار متوجهة نحو الحكومة القادمة والتي يأملون فيها أن تكون حكومة وحدة وطنية، فقد سأمو الكثير من الشعارات والممارسات التي تخندقت بالطائفية والقومية، آملين أن يضعوا رحلهم الثقيل الذي يأنون تحت وطأته منذ زمن ليس بالقصير، فما عسانا إلا أن نطالب ونطالب ونبقى نطالب بنبذ كل ما يمارس في عهد النظام السابق من طائفية وعنصرية وان لا نكرر تلك المأساة، ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلا بالوحدة، وحدة الرؤية، وحدة السلوك، وحدة الهدف، وحدة الدم العراقي وحرمته.

وبعد، نقول هل أن بانتصار مسودة الدستور  والانتخابات   سينتهي مسلسل العنف في العراق ؟
من المؤكد أن العنف لا يعني الشجاعة ولا يرتبط دائماً بالحق فهو في انقطاعه عن كل تبرير منطقي أو أخلاقي يمثل انحرافاً نفسياً واجتماعياً ومع ذلك نجده محدقاً بأطفالنا ونسائنا وشيوخنا من كل صوب...(إن الطاغية يصنع شعبه على شاكلته) هذه العبارة المرعبة التي أطلقها الكاتب الألباني إسماعيل قدري في نظرته للنظام الدكتاتوري الذي حكم بلاده أيام دكتاتورها الراحل (أنور خوجة)، ترى إلى أي حد قد انطبقت على الأنموذج العراقي، وهل أن الدكتاتور المقبور استطاع أن يجد له طريقا ً في التأثير في منظومة قيم وتقاليد وأخلاق الناس؟، يتمنى الإنسان أي إنسان في هذا الوطن اليتيم...أن لا يكون الأمر إلا إكذوبة لا يمكن تصديقها... وعاش الوطن... ما دام فيه الفقراء...آباء دائميون... لهم من العمر آلاف السنين.    

التحزب له ألف أب ... والوطن يتيم
د.أحمد باهض تقي
مدير مركز الفرات