إرهاب أم قتال من اجل الحرية
الرجوع للعدد الثاني
حفظ هذا المقال فقط
ملخص:
     ( الحرب الكونية ضد الإرهاب) التي شنتها الإدارة الأمريكية في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول كانت قد أضرمت جدلا لايفتر أوراه حول تعريف الإرهاب ومجساته السياسية والاجتماعية والى اي مدى يمكن للتغطية الاخباربة تلبية معايير التوازن والحقيقة والموضوعية الصحفية لاسيما عندما يتعلق الأمر بقضايا الصراع السياسي المتطرف .وفي خضم هذا الجدل يبرز الدور الذي يلعبه الإعلام العربي في تغطية (الإرهاب) او (الإرهاب المزعوم ) داخل وخارج الشرق الأوسط. ستقوم هذه المقالة بتحليل التغطية الإعلامية العربية لتنظيم القاعدة والصراع الفلسطيني الإسرائيلي والحرب في العراق .
تمهيد :
ان مفهوم الإرهاب هو موضع جدل محتدم ومشحون بالدلالات وعرضه للتأويلات المتنوعة المتموضعة ضمن اطر اجتماعية وسياسية أوسع وبهذا لم تتفق أنظمة الإعلام العالمي على تعريف عالمي للإرهاب وبما ان الإرهاب هو في عيون المشاهد فأن الإعلام العربي وفي معرض تصويره لممارسي العنف على إنهم إما (إرهابيون) او (مقاتلون من اجل الحرية) وهكذا فان الإعلام العربي يعكس ثقافته السياسية ونظام القيم التي يؤمن بها وكذلك المصالح  الايدولوجية والتجارية التي قد تقود الإعلام إلى أي مكان.


ما هو الإرهاب:
   إن  أصول جذر مفردة إرهاب terrere هي لاتينية معناها ترويع  او تخويف او التسبب بالارتجاف ومنها اشتقت المصطلحات مرعب  terrfiy  و   .terrible  واحد تعريفات الإرهاب المألوفة في التراث هو (الاستخدام المنظم للتخويف ألقسري ضد المدنين من اجل أغراض سياسية)
وهناك عدة عناصر دأب الإرهابيون على التأكيد عليها وهي اعتمادهم المفرط على العنف الرمزي والعشوائي وفشلهم بالتمييز بين المدنين وغير المدنين كأهداف شرعية وكذلك استخدامهم للمدنين كضحايا بديلة للدولة وأيضا استغلالها للإعلام من اجل الدعاية لقضيتهم .

العلاقة بين الإرهاب والإعلام :
يحاول ارهابيوا هذا الزمن وعلى الدوام البحث عن الدعاية حول وجودهم وأغراضهم وذلك من خلال  وسائط   الإعلام وقد يتضمن ذلك إصدار بيانات وعقد مقابلات وإعلان مسؤوليتهم عن الأعمال الإرهابية او إرسال أشرطة الى محطات التلفزيون ان لهذا وطئة على كاهل الإعلام يكمن في اصطناع معيير للتعامل مع سبل الدعاية للارهابين فمثلا يواجه المنفذون الاعلاميون قرارات مؤلمة عند تسلمهم اشرطة مسجلة صوريا للرهائن اللذين تم تصفيتهم بعد ان قام الضحايا بتصريحات تبدو ظاهريا انها طوعية .
عندما قرر اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الدعاية عن افكار مجموعته قام بأختيار اكثر القنوات الفضائية العربية شعبية وهما قناة الجزيرة القطرية وقناة العربية السعودية .
دفع بث شريط بن لادن على قناة الجزيرة الإدارة الأمريكية الى إدانة القناة واتهمتها بكونها الناطق باسم بن لادن وفي هذا السياق قال السيد حافظ الميرزاي مدير مكتب الجزيرة في واشنطن ان الولايات المتحدة تخلط الرسالة بالمرسل,   
ان ميل السفاحين كابن لادن للبحث عن وسيلة إعلام معينة لا يجب بالضرورة ان يزعزع سمعة القناة من ناحية الامانة العلمية .

خصائص التغطية الإعلامية العربية للإرهاب :

احتياجات السوق وموضوعية السياق في أنظمة الإعلام العربية:
لم يعد الحال كما هو عليه قبل عقد من الزمن عندما كانت انظمة الإعلام العربية محتكرة من قبل الحكومات وسلوكها النهج الذي اختطت لها الحكومة فاليوم تحاول أنظمة الاعلام العربي التصدي لمتطلبات السوق فهي تفكر في امكانية الوصول الاكبر عدد ممكن من الاسواق الذي لا يقتصر على حدودها الإقليمية . وهكذا لم يعد من المنطق تزويد المصريين او السعوديين بالاخبار ولكن العرب ككل وعلى هذا الأساس يحاول الإعلام العربي اكتشاف ما يبتغيه معظم العرب وما هو القاسم المشترك لكل العرب .

ومن اجل إيضاح هذا الجدل  وفي وقت يشدد فيه الاعلام العربي الرسمي على خطاب السلام مع اسرائيل كخيار استراتيجي ومناويء للقنابل الانتحارية الفلسطينية ضد المدنين الاسرائيليين تصر بعض القنوات العربية الفضائية .معظم الوقت على الثناء على العمليات الفلسطينية الانتحارية على انها عمليات استشهادية وبهذا فان الفضائيات العربية تعبر عن موقف شعوبها الداعمة للعمليات الفلسطينية على انها السبيل الوحيد لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي ولم يمنع التعبير عن قضايا الشعوب العربية من طرح الجانب الاخر للقصة .فهي اذ تطرح القضايا العربية لم تغفل عن ما يسمى (بموضوعية السياق) ومثال لتوضيح المفهوم هو ان بعض الفضائيات  العربية ولاسيما قناة الجزيرة تزودنا باخبار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور عربي او بعبارة اخرى التعاطف مع المقاومة الفلسطينية ومع ذلك فأنها في ذات الوقت لاتمنع ظهور تصريحات المسئولين الاسرائيلين للتعبير عن وجهة نظر هم وعلاوة على ذلك ففي الوقت الذي تبث فيه الجزيرة اسامة بن لادن على الهواء نضع في نفس الوقت تصريحات المسؤولين الامريكيين والبريطانين  مثل توني بلير وكولن باول لاعطاء وجهة النظر الغربية .


وسائل الاعلام العربية ليست متناغمة في تغطيتها للارهاب :
تتسم تغطية الاعلام العربي للارهاب سواء كان خاصا اوملكا حكوميا بعدم تناغمه فبعض هذه الوسائل تكون اكثر اتزانا من قريناتها عند عرضها تقارير واقعية وقصص مثيرة.
  وكمثال يبين الاختلافات بين الفضائيات العربية في تغطيتها لاحداث العنف هو انها ليست كباقي القنوات التي تستخدم عبارات رنانة مثل  الشهداء عندما تشير الى المهاجمين الانتحارين الفلسطينين عند عرض تقاريرها  تميل صحيفتي الشرق الاوسط السعودية والحياة اللبنانية ومقرها في لندن الى استخدام المهاجمين الانتحارين في انبائها وحول هذا الموضوع يعلق رئيس تحرير الشرق الاوسط عبد الرحمن الراشد قائلا( ان تبني موقفا حياديا في الاعلام العربي هو في تصوري اقرب الى الانتحار لان هناك الكثيرين ممن يزجون بالاعلام العربي نحو التطرف وتبني مواقف قومية وتصوير ان اي شخص يفكر بشكل مختلف هو يرتكب خيانة عظمى ضد القضية القومية) .

   يوجد هناك تقارب متناغم ظاهر في الإعلام العربي في تغطية لأعمال القاعدة بعد أحداث الحادي عشر من ايلول 2001 على الولايات المتحدة قامت معظم الأوساط الإعلامية العربية بطباعة او إذاعة فتوى صدرت من قبل ستة علماء بارزين في العلم الإسلامي يدينون فيها الهجمات تلك ووفتها بالإرهابية وانها لا تمت للإسلام بصلة ودعت فيها الى إلقاء القبض ومعاقبة المسئولين الا إنها عندما تشير الى هجمات القاعدة الإرهابية التي حدثت خارج العالم الإسلامي العربي مثلا هجمات مدريد 11/3/2004 فأنها لم تستخدم مصطلحات مثل (ارهابين) بل سمتها (الإرهاب المزعوم )او( ما يسميه مسئول الإرهاب)
أما بالنسبة لهجمات القاعدة داخل العالم العربي والاسلامي مثل الهجمات الأخيرة في السعودية والمغرب فيميل الإعلام العربي الى استخدام مصطلحات موسوقة (كالهجمات الانتحارية) و(الارهاب ).
أما بالنسبة للغة المستخدمة من قبل الإعلام العربي لوصف أعمال العنف في العراق فانها تستخدم اصطلاحا لهجمات الانتحارية لوصف اي عمل هدفه قتل العراقيين او الامريكين على حد سواء يستخدم الإعلام العربي ايضا مصطلحات موسوقة مثل المقاومة العراقية عندما يقتل الجنود الأمريكان ولكن في نفس الوقت وعندما يقتل المدنيون العراقيون فان الإعلام العربي يشير الى مرتكبي الجريمة على إنهم رجال مجهولوا الهوية علاوة على ذلك يشير الاعلام العربي الى القوات الأمريكية على انها قوات احتلال او غزاة بدلا من قوات التحالف .


الأطر الثيماتية والعرضية للإرهاب في  الإعلام العربي :
   تعني التغطية العرضية (الوقائع الملموسة او الأحداث ذات الربط  الثيماتي او سياقي قليل) بينما تعني التغطية العرضية الثيماتية توفير فهم واسع وضمن سياق واضح للعوامل المتعلقة بخلفية الإرهاب والمساهمة باتجاه هذه المواضيع).
يمتاز الصحفيون العرب بتفوقهم على نظرائهم من الغربيين في تغطيتهم لموضوعة الإرهاب والذين تم إرسالهم لتغطية الأحداث في اسقاع نائية وغير مألوفة لهم وهم غير ذي دراية بلغة وثقافة الشرق الأوسط بتفاصيله الدقيقة والمعقدة وهذا ما سمح للمراسلين العرب من تزويد مشاهديهم بقصص متكاملة الأبعاد لفهم العديد من القصص المتباينة والأحداث الصغيرة الفردية وبذلك فان معظم الأحداث الإرهابية التي يغطيها الإعلام العربي تم وضعها ضمن سياقها الصحيح فالمعلومات عن مرتكبي هذه الجرائم يتم موازنته ببث معلومات عن الاستجابة الرسمية لها .
   فعلى سبيل المثال في خضم  تغطيتها لشريط لابن لادن يحذر فيه البلدان الأوربية من الالتقاء بعيدا عن العراق او مواجهة العواقب قامت قناة الجزيرة بدعوة نخبة من المسؤولون والخبراء بظمنهم الناطق باسم البرلمان الألماني وأستاذ سعودي  في الإعلام وباحث عربي من واشنطن وأستاذ بلجيكي في العلوم السياسية حيث قامت هذه المجموعة بتقييم رسالة بن لادن ومقارنتها بمثيلاتها وتسليط الضوء على تداعياتها .


      التصادم الحضاري في المقابلات العربية التلفزيونية :
   ظهر مفهوم التصادم الحضارات للمرة الأولى في مقالة نشرها الأستاذ في جامعة هافاردساميول هنتنكتن في صيف عام 1993 صادرة عن الشؤون الخارجية يتحدث الكاتب في تلك المقالة قائلا بان الصراعات الأساسية للسياسات العالمية سوف تقع بين امم ومجموعات من حظاات مختلفة.
  النقاش اي التي قام بها العديد من ضيوف القنوات الفضائية حول مفهوم التصادم الحضاري والحرب بين الإسلام والغرب وقام المشاركون الفعالون في ما تسميه الإدارة الأمريكية الحرب العالمية على الإرهاب بتقديم تعريفهم الخاص اما ان تكونوا معنا او إنكم مع الإرهابيين وكان هذا هو  الخط الفاصل في إعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول من قبل جورج دبليو بوش اما الاسامة بن لادن فقد هو الاخر بوضع ثنائية المزعومة لقد قسمت هذه الأحداث العالم إلى معسكرين :معسكر المؤمنين ومعسكر الكافرين فهي حرب على الإرهاب للطرف الأول وهي في ذات الوقت (جهاد الزامي ضد الصلبين واليهود للطرف الآخر)
لقد القمت بيئة بوش الخالية من المعنى وتصويره للحرب على انها (حملة صليبية في أتون التصادم الحضاري) على الرغم من المحاولات العديدة من جانب القنوات العربية الرئيسية من وضع تلك التصريحات ضمن اطار المنظور الامريكي وذلك ان الرئيس لم يقصد سوى حرب شاملة لمحاربة الإرهاب ولم يكن للحملات الصليبية التاريخية اي تضمين هنا.

د. محمد النوري
ترجمة صباح واجد علي
تدريسي في جامعة كربلاء كلية التربية