كلما زادتْ القوة..قَلَّ الأمن!!!
الرجوع للعدد الثاني
حفظ هذا المقال فقط
هل تؤشر الأحداث الجارية في العالم على أن القوة والأمن تتناسبان عكسيا، فكلما زادت القوة قل الأمن؟
فكأنما تتحول قوة الإمكانات الإنسانية إلى فعل يستلزم بالضرورة فعلا مضادا(معاكسا).

إن السبب في ذلك هو على ما يبدو في مفهوم(امتلاك القوة)الذي أضحى مفهوما نسبيا شأنه في ذلك شأن كل المفاهيم التي ينتجها التفاعل الإنساني المعاصر.

فالمفروض أن من يمتلك القوة يسيطر عليها إنتاجا وتسويقا واستهلاكا، ولكن يبدو أن هذه القاعدة تصبح استثناءاً في التعامل الدولي المعاصر.
فليس باستطاعة مراكز إنتاج القوة أن تسيطر عليها، أو تترجم معنى ودلالات الملكية بشكل يستلزم الركون إلى الأمان من أن(القوة المنتَجَة) لن تصل إلى نهايات غير محسوبة.

فمن انتشار المفاهيم والمعرفة والمعادلات العلمية إلى انتشار السلاح النووي كلها دلالات على أن صناعة القوة تتسرب من مصانعها إلى مناطق الاستهلاك دون القدرة على توجيه طبيعة واتجاهات هذا الاستهلاك .
وبناءاً عليه ظهرت مشاكل الحركات والدول والجماعات وحتى الأفراد أحيانا تلك التي تملك مزايا القوة وعناصرها الأساسية لكي تستخدم هذه القوة ضد صانعيها.

إن ذلك صعَّد ونوَّع أعمال الصراع ونقلها من علاقة بين متخاصمين إلى علاقة بين مالكين،انه صراع الملكية الجديد.
بل هناك ما هو اخطر من ذلك، فقد تستخدم القوة ضد مالكها وصانعها وهي في حوزته، ولعل ضربة 11 أيلول مثال واضح على ذلك، فقد استخدمت البنية التحتية الأمريكية في مجال الاتصالات والنقل في تنفيذ الهجمات.

خذ أمثلة أخرى فهذه حركات المقاومة الفلسطينية التي تشتري السلاح من الجنود الإسرائيليين لاستخدامه في المقاومة.
وخذ مثلا حركات التحرر في ايرلندا الشمالية، وأحداث العراق، واستخدام البث المباشر لتصوير وبث عمليات الإرهاب الدولي( كنموذج في السيطرة على القوة الاتصالية).

وقد تم الإشارة الرسمية على الصعيد الدولي إلى هذه المشكلة عندما تحدث رؤساء عدد من دول العالم عن أن الجماعات التي يسمونها إرهابية بدأت تستخدم نظم المعلومات بشكل أفضل من الدول المتقدمة كما جاء على لسان  رئيس الوزراء الهندي خلال كلمته  في الأمم المتحدة بتأريخ(24/9/2004).

إذاً لا يعني أن امتلاك المزيد من القوة إحساسا اكبر بالأمن فهذه إمبراطورية القوة الأمريكية تستجدي التعاون مع الأضعف منها ليس لضمان الأمن بل لتوفير جزء منه بات من الصعب تحقيقه بقوة الإمبراطورية العظمى.
إن بناء عناصر القوة إذاً يستلزم في الوقت ذاته بناء عناصر السيطرة عليها وذلك لكي لا تتحول مسارات القوة إلى مسارات غير محسوبة بعد أن تجرف أمامها سلطة الملكية أو تملٌّك السلطة .

فكأنما تحتاج البشرية إلى قانون جديد يعبر عن حقيقة العلاقة بين القوة والأمن ذلك القانون الذي ساد فترات طويلة من عهود البشرية الغابرة .فنحن أصبحنا أمام قانون يقول إن القوة والأمن مفهومان متعاكسان.
فهل يأتي اليوم الذي تندم فيه البشرية على مقدار القوة الذي أنتجته؟ أم أنها ستبقى تدور في حلقة بناء القوة الجدلي بينها وبين أعداءها حتى نصل إلى حالة انعدام الأمن الكلي الذي نعيش بشائره اليوم في كل بقاع العالم.

إن غياب أو إضعاف ملكية القوة أو السيطرة عليها يعني إننا سندخل إلى التطبيق الفعلي إلى اتجاه ثقافة ما بعد الحداثة ودخول مبدأ النسبية إلى حظيرة السلطة هذه المرة، فتصبح هذه الأخيرة نسبية هي الأخرى. فلم تعد المؤسسات السلطوية في العالم قادرة على أداء أعمالها ووظائفها الأساسية وخاصة التقليدية منها مثل حفظ الأمن والسيادة والإلزام. ويجب الأيمان بان هناك للقوة قدرة على الإلزام ولكن هذه المرة ضد مالكها وبشكل مباشر, ذلك أن من خصائص القوة حاجتها إلى ميدان عملي موضوعي تظهر فيه مكوناتها وتعبر عن ذاتها وهذه الحاجة ضمنية داخلية وليست خارجية ومن هنا تفرض القوة على من يمتلكها لان يبحث لها عن ميدان للفعل وإظهار مداها ومعناها الواقعي خاصة إذا استندنا إلى حقيقة أن(( مقدار القوة = مقدار فعلها الحقيقي)) فإننا نلمس مثلا أن (القوة الأمريكية) بدأت (تفرض) على (الإدارة الأمريكية) ما يلي:

1.    البحث عن أسواق لتصريف القوة بغض النظر عن معنى المفهوم وارتباطاته(من الكوكا كولا إلى الحرب).
2.    السعي إلى السيطرة على المواد الأولية.
3.    الحصول على عائد ربح من امتلاك القوة مثل استخدامها في حماية آخرين أو دول أخرى مع بدل مالي أو سياسي.
4.    إن القوة بدأت تفرض على الإدارة الأمريكية سلوكا يتمثل  في علاقات توتر وعلاقات صراع مع الآخر الدولي والثقافي والاقتصادي.
5.    أصبح من الصعب على الإدارة الأمريكية البحث عن هدف شرعي أو مشروع للقوة(طبيعتها ومقدارها) فدخلت في ذلك في صراع يبدو طويلا مع العالم الآخر ومع نفسها وخير دليل على ذلك هو عملية استنساخ البشر(قوة معرفية).
6.    والقوة العسكرية التي تمتلكها التي دفعت إلى البحث أو تبني سياسة صناعة العدو(كان الشرق سابقا واليوم الإرهاب) وكلها مفاهيم غير محددة المعالم بل حتى لو كان هناك تحديدا أكثر مثل العدو الإسلامي فهذا أيضا غير واضح فهو مرة الإسلاميين ومرة المتشددين ومرة الدكتاتورية ....الخ .

مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية