الفساد الإداري في العراق .... والمعالجة المطلوبة
الرجوع للعدد الثاني
حفظ هذا المقال فقط
    الفساد هو أحد الظواهر المجتمعية التي يمكن رصدها في المجتمعات كافة اياً كان موقعها الجغرافي أو العصر التاريخي الذي تعيشه وكذلك أياً كانت درجة نموها الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي، والفساد الإداري مهما كانت درجة انتشاره  مرفوض لأنه يمثل في واقع الأمر انتهاكاً صارخاً للقيم الأخلاقية والاجتماعية للفرد والمجتمع،  وعندما يشيع في جسم دولة ما ليصل الى شعيراته الدقيقة ومؤسساتها العامة والخاصة وأيضا قطاعاتها القضائية والتعليمية والاقتصادية...الخ بسبب قصور القوانين والتشريعات الرادعة وهشاشتها، فأنه يضعف من استقرارها، ويعمق التمايز الطبقي بين فئات المجتمع وشرائحه ويؤجج الصراع ويفكك النسيج الاجتماعي، ويحد من عملية الحراك السياسي منه، ويحول دون عملية التنمية التي تنشدها الدولة لأنه يعمل على هدر وتبذير الأموال العامة والطاقات البشرية.

    وفي العراق يبرز الفساد الإداري بصورة اكثر وضوحاً كما ان أثاره أكثر خطورة ومرجع ذلك أسباب عديدة، لعل في مقدمتها السياسات التي اتبعت ابان العهد البائد الخاطئة حيناً و(المتعمدة) حيناً اخرمن إناطة مسؤوليات كبيرة وصلاحيات واسعة لأشخاص غير كفوئين لا يحملون من مؤهلات غير الطاعة و الولاء الأعمى للطاغية وحاشيته المرتزقة، والذين غالباً ما يعفون من اية محاسبة مهما كانت الأخطاء المرتكبة (ولو كارثية كانت) وفي ظل هشاشة المساءلة والمحاسبة وتراخي قوانين العقوبات الرادعة، فضلاً عن عدم نزاهة الجهاز القضائي، وفي ظل غياب الشفافية والعلانية والمساءلة مع تغييب كامل لدور السلطة التشريعية في الرقابة ومساءلة وزارات الدولة، ان تلجأ هذه الفئة الى تعيين الموظفين في المواقع الإدارية العليا على أساس المحسوبية والمنسوبية وهو اخطر انواع الفساد، الامر الذي ادى الى ضعف في فاعلية الأداء المؤسسي وتدني مستوى الأداء الاقتصادي وانخفاض مستوى الدخول خاصة في المستويات الدنيا للبيروقراطية، الأمر الذي دفع الكثير منهم لاستغلال مواقعهم الوظيفية لتحقيق رغباتهم في جني الثروة.

     ومع تفشي مشكلة البطالة بأشكالها المتعددة  ــ  المقرونة بتدني الدخل الفردي  ــ  أخذ التمايز بالاتساع حيث بات المجتمع العراقي مقسم إلى أقلية تمسك بالثروات الطائلة و المناصب الإدارية المهمة المسئولة عن إدارة شؤون البلاد، وأغلبية تسعى جاهدة لتأمين الحد الأدنى من العيش. وبعد زوال رأس النظام الفاسد فأن الكثير من المسئولين الذين تم الإشارة اليهم ما زالوا باقين في مناصبهم يمارسون أعمالهم بكل حرية بعد إن غيروا أقنعتهم ليتلثموا بلثام (الوطنية).

   وهنا لابد من معالجة سريعة وصحيحة خصوصاً في ظل وصول شخصيات عراقية وطنية إلى سدة الحكم وبالوسائل الشرعية ( عبر الانتخابات ) لكي يستطيعوا الوفاء بوعودهم التي قطعوها الى ناخبيهم في اجتثاث الفساد. وهنا يكمن السؤال المحير ما هو الحل؟ وكيف يكون؟

    ونقول أن المعالجة المنشودة هي عملية شاملة ــ متكاملة و مستمرة تكمن مقوماتها بثلاث عناصر هي:- أرادة سياسية حازمة مصممة على انجاز الإصلاح الإداري ــ ورأي عام مساند ــ  وعنصر بشري مؤهل.

          اذ يمهد لهذه العملية بقرار سياسي ، ويعبر عنها بخطط مرحلية متواصلة تتناول النصوص القانونية والهيكليات التنظيمية وكافة الطاقات والإمكانات والموارد البشرية والمادية وتكون الأدوات هي:-
ـــ العمل على رفع مستوى دخل الفرد لتأمين سبل الحياة الكريمة له.
ــ إنزال أقصى العقوبات بحق الفاسدين والمفسدين واجتثاثهم من جذورهم وتطهير جسم الدولة والمجتمع منهم.
ــ أعادة النظر في المسؤلين الإداريين في المناصب العليا للتعرف على مؤهلاتهم العلمية والعملية وكيفية وصولهم لهذه المناصب، وهل تم عبر التدرجية الإدارية.
ــ تقصير فترات تولي المسؤولية في موقع واحد.
ــ تحقيق العدالة في توزيع المناصب الإدارية على أساس الكفاءة والمؤهلات العلمية.
ــ تطعيم الأجهزة الإدارية بطاقات شبابية من حملة الشهادات العليا.
ــ التأكيد على مسألة الشفافية والعلانية على كثير من المعاملات الإدارية.
ــ فتح قنوات الاتصال بين المواطنين والمسئولين على كافة الأصعدة والمستويات وبصورة سهلة وسلسة.
على ان ننطلق من بديهية بسيطة ألا وهي ان عمل الصحافة مكفول بقوانين يتيح لها العمل بحرية تامة، والجمعية الوطنية تقوم بوظيفتها الأساسية في المراقبة والاستجواب إضافة إلى استقلال كامل للسلطة القضائية.

جواد كاظم ألشمري
باحث سياسي - كلية العلوم السياسية - جامعة النهرين