ملاحظة حول النفط والغاز والقانون المنتظر

لم اطلع على تفسير مقنع لمواصلة منح التراخيص للشركات الأجنبية في استخراج وإنتاج النفط والغاز، على أساس المشاركة في الإنتاج أو اتفاقيات الخدمة طويلة الأمد. فهذه الشركات التي نتعاقد معها تقدم خدمات إدارية، لا أكثر، والعراق قادر على إدارة جميع العمليات النفطية، فعلا. كيف استطاعت وزارة النفط السيطرة على العمليات بعد التأميم وصولا إلى تصدير 3.2 مليون برميل يوميا عام 1980 قبل الحرب المشؤومة. لأنه توجد الكثير من الشركات في العالم تقدم مختلف الخدمات الفنية بالأجرة، من الاستكشاف والحفر ... إلى ميناء التصدير، وجميع ما بينهما، وقد استخدمها العراق آنذاك. لماذا نحتاج إلى جهة أجنبية، قد تكون لدولة نامية، كي تتولى مهمة التعاقد مع مقاولين لتجهيز الآبار أو تنصيب معدات او محطات الضخ او شبكة الانابيب، مثلا. ثم إن الرقع الجغرافية المشغولة بالتعاقد تسمح إحتياطياتها بزيادة الاستخراج فوق ما يستطيع العراق تسويقه، بالمعايير المتعارف عليها، لمدة طويلة تكفي لاستكمال نقص القدرات الإدارية الوطنية إن وجدت، ولذلك لا توجد ضرورة لمنح تراخيص جديدة. 

تبدو مسالة التعاقد مع الشركات الأجنبية، على النحو الذي درجنا عليه، كما لو أنها مبرمجة باستقلال تام عن المجلس النيابي ومجلس الوزراء بدليل أنها لم تطرح للمراجعة، لماذا؟ 

في البداية، قيل، ان الحقول المنتجة متهالكة، والحاجة ماسة للتطوير، أي الإنفاق الرأسمالي لتكوين طاقات استخراجية جديدة، وبخلافه قد لا يتمكن العراق من الإنتاج والتصدير بعد مدة قليلة. وتكاليف التطوير تفوق الإمكانات المالية للعراق، فهذه الشركات تنفق أولا وتستعيد ما أنفقت لاحقا من إيرادات النفط المستخرج. لكن تبين، فيما بعد، أن الفارق الزمني بين إنفاق الشركات والاستخراج ثم استعادة مستحقاتها قصير، غالبا. والعراق في وضعه الحالي يستطيع تمويل العمليات النفطية مسبقا. مثلما يدفع الآن لشركات التراخيص ما انفقت، وبوسع المهتمين بالموازنة العامة الاطلاع على المبالغ الكبيرة التي تخصص للشركات. وربما لو تولّى العراق هذا الأمر بنفسه تكون النفقات أقل مع النزاهة والكفاءة. المسألة أكبر وأخطر من أن تترك كما بدأت اول مرة. وإذا اقتنعت الحكومة بمراجعة هذا الملف الشائك سوف تتوقف النتائج على مدى التحرر من المألوف والتخلي عن الأحكام المسبقة. 

تكاليف التطوير والتشغيل تحتاج إلى تدقيق جاد؛ لأن الهدر والمغالاة في أسعار المقاولات لتنفيذ المهام من الأمور التي لا يستبعدها العقلاء في العراق، خاصة وأن أسعار النفط تسمح بتغطية الكثير من العيوب. 

أعدّت عام 2012 استراتيجية الطاقة في العراق، من جهات أجنبية، ولا معنى لأية استراتيجية إن لم تكن تعبيرا عن ثقافة العمل وما في عقول الناس وضمائرهم، وبقيت تلك الوثيقة رغم رصانتها الفنية غريبة ومهملة. الاستراتيجية جمعت ونسّقت مسارات النمو لطاقة استخراج واستخدام وتصدير النفط والغاز إلى توليد الكهرباء. واقترحت أهدافا للتصفية للاكتفاء الذاتي والتصدير. واهتمت بالصناعات التي تستخدم النفط والغاز مادة اولية لها، بتروكيمياويات وأسمدة ... وسواها. وكذلك قدمت توصيات للتوجه نحو صناعات كثيفة الطاقة، للعراق مزايا تنافسية بها نتيجة لوفرة النفط والغاز، ومنها صناعة الحديد والألمنيوم والسمنت ... وهكذا. الصورة التي رسمتها الاستراتيجية لا أثر لها على الأرض، اليس من المناسب إعادة قراءة الاستراتيجية وتعديلها وإصدارها مجددا، ثم تعتمد بعد ان تصبح، فعلا، ثقافة عمل لوزارة النفط ولجنة الطاقة في مجلس الوزراء واللجان المعنية في مجلس النواب.

الخلاف بين بغداد واربيل هو محور الاهتمام بقانون النفط والغاز، والذي يراد معالجته بالقانون. بلغة أبسط كردستان تنتظر إضفاء صفة قانونية على أسلوب إدارتها للثروة النفطية في الإقليم. وهدفها هذا لا يتحقق بقانون عام يحكم النفط العراقي بأكمله إلاّ إذا أصبحت البصرة مثل أربيل في علاقتها بالدولة العراقية. وهو مستحيل، وإذا شُرّع مثل هذا القانون يكون سببا لنزاعات حادة ضمن النطاق العربي للعراق هو في غنى عنها. لأن الأساس الاقتصادي لدولة العراق هو النفط، ولذا لا تستطيع أية حكومة التخلي عن الإدارة المركزية للنفط والغاز. في حين ترى كردستان ان إطلاق يدها في الثروة النفطية جوهر استقلالها. يوجد تناقض حاد بين المقومات الاقتصادية لاستقلال كردستان كما تراها حكومة الإقليم، والشرط الاقتصادي لدولة العراق وهو الإدارة المركزية لثروات النفط والغاز. القانون الموحد خارج الإمكان المنطقي والعملي. ولذا نتمنى أن يضع المعنيون بالأمر هذه الحقائق نصب أعينهم، وعدم السماح بأية درجة من اللامركزية في النفط والغاز. إضافة لهذا، ايضا، من الخطر الشديد على العراق الإشارة إلى مشاركة بين الحكومة المركزية والأقاليم والمحافظات في إدارة الثروة النفطية. كلا، النفط ثروة وطنية مركزية. لكن المشاركة موجودة في نصوص الدستور؛ وهنا تجب مخالفة تلك النصوص بنصوص أخرى على اساس المبدأ الجوهري الذي يقوم عليه الدستور هو أن العراق دولة واحدة موحدة، والتنازل عن مركزية التصرف بالثروة النفطية ينقض المقومات التي يفترض الدستور بمجمله الحفاظ عليها. إذن الحل الذي يناسب كردستان، وهو ضمن نطاق الإمكانية إلى حد كبير، في مبدا عدم التناظر.  لقد بينته في اجتماع عقد في أربيل برعاية المجلس النيابي عام 2008، وهو مشروح جيدا في مُؤلّف للكاتب. مبدأ عدم التناظر هو الصحيح.

التعليقات