يعتمد النمو الاقتصادي على العديد من العوامل من بينها حجم الاستثمارات في الاقتصاد، ومدى قدرة الاقتصاد على استيعاب تلك الاستثمارات وتوظيفها بما يسهم في زيادة الانتاج، فكلما يكون حجم الاستثمارات كبير، وقابلية الاقتصاد عالية على استيعاب تلك الاستثمارات؛ كلما أدى ذلك لزيادة الانتاج وارتفاع النمو الاقتصادي، بشرط توفر نظام سياسي مستقر وادارة اقتصادية كفوءة
هناك علاقة وثيقة بين النمو الاقتصادي العائدات النفطية، هذه العلاقة قد تكون طردية وقد تكون عكسية، حسب استقرار النظام السياسي وتوفر الادارة الاقتصادية الكفوءة.
يُعد النمو الاقتصادي مؤشر مهم في الاقتصاد كونه يعطي صورة، عامة؛ عن اداء الاقتصاد، بصرف النظر عن مسألة العدالة في توزيع ثمار النمو.
كما تمثل الاستثمارات رؤوس الاموال التي يتم حقنها في الاقتصاد بقصد انتاج السلع والخدمات.
حجم الاستثمارات واستيعابها
يعتمد النمو الاقتصادي على العديد من العوامل من بينها حجم الاستثمارات في الاقتصاد، ومدى قدرة الاقتصاد على استيعاب تلك الاستثمارات وتوظيفها بما يسهم في زيادة الانتاج.
فكلما يكون حجم الاستثمارات كبير، وقابلية الاقتصاد عالية على استيعاب تلك الاستثمارات؛ كلما أدى ذلك لزيادة الانتاج وارتفاع النمو الاقتصادي، بشرط توفر نظام سياسي مستقر وادارة اقتصادية كفوءة.
ومن الجدير ذكره، ان الاقتصاد قد يكون صغيراً ولا يستوعب حجم الاستثمارات الكبيرة، مما يجعل النمو الاقتصادي نمو نقدي وليس حقيقي، بمعنى لم تتحقق زيادة في الانتاج وما حصل زيادة في الاسعار فحسب.
ثلاثة عوامل
واذا ما نظرنا الى الاقتصاد العراقي، من حيث قابليته على استيعاب الاستثمارات سنجد انه يمتلك قابلية جيدة في استيعاب الاستثمارات من جانب ومن جانب آخر ان حجم الاستثمارات لم تكُن بالمستوى المطلوب لأسباب تتعلق بذبذب أسعار النفط والفساد في ظل غياب الاستقرار السياسي وضعف الادارة الاقتصادية ، والدليل ان شبح البطالة لا يزال يخيم على واقعنا.
حيث تُقدر طاقة الاقتصاد العراقي لاستيعاب الاستثمارات في المتوسط بـ 46 مليار دولار(55 تريليون دينار) سنوياً للمدة 2018-2022 حسب خطة التنمية الوطنية.
وفي المقابل، حددت وزارة التخطيط ان الطاقة الاستيعابية سيتم تغطيتها بنسبة 60% من الحكومة عبر الموازنة العامة، و40% من القطاع الخاص.
الفساد
ونظراً لوجود علاقة عكسية بين الفساد والاستثمار بشكل عام والقطاع الخاص بشكل خاص، بالتأكيد ان شيوع الفساد في العراق قد ثبط من حافز القطاع الخاص على الاستثمار في العراق.
نظام المحاصصة
ان الفساد جاء كنتيجة لضعف النظام السياسي وغياب الاستقرار بحكم طغيان الهويات الفرعية على الهوية الوطنية والمصالح الخاصة على المصالح العامة وذلك بسبب نظام المحاصصة.
ضعف الادارة الاقتصادية
إلى جانب ذلك، ان ضعف الادارة الاقتصادية قد أسهم في عدم استثمار الموارد المتاحة بالشكل السليم وعدم تفعيل القطاعات الاقتصادية التي من شأنها تعزز النمو الحقيقي، ويتم اللجوء للعالم الخارجي لتغطية الطلب المحلي عبر التجارة الخارجية.
تعزيز الاستثمار الحكومي
ان انخفاض استثمار القطاع الخاص بسبب الفساد، الذي جاء كنتيجة لضعف النظام السياسي بحكم نظام المحصصة، إلى جانب ضعف الادارة الاقتصادية، هذه الأسباب الثلاثة أدت إلى تعزيز دور الاستثمار الحكومي بشكل اكبر.
المالية العامة في العراق
تعتمد المالية العامة(ايرادات ونفقات) بشكل كبير على العائدات النفطية، حيث تشكل الايرادات النفطية ما نسبته 90%، والايرادات الاخرى تشكل 10% من الايرادات العامة.
وفي المقابل تشكل النفقات الاستهلاكية كمعدل 70%، والنفقات الاستثمارية كمعدل 30% من النفقات العامة.
وفي العادة، كلما تكون العائدات النفطية كبيرة سيتم تغطية النفقات الاستهلاكية النفقات الاستثمارية الحكومية معاً، ولكن إذا لم تكُن العائدات النفطية كافية لتغطية النفقات الاستهلاكية والاستثمارية معاً ستكون التضحية بالنفقات الاستثمارية بشكل تلقائي سواء من حيث الالغاء أو التقليص وعلى الأرجح التقليص.
وبهذا الصدد تجدر الاشارة إلى الربط بين العجز المخطط والانفاق الاستثماري الحكومي، حيث نجد العجز السنوي المخطط في الموازنة العامة يطابق بالغالب نفقات التنمية(الانفاق الاستثماري في الموازنة نفسها). فالعجز المخطط في عام 2021 على سبيل المثال هو بالضبط يساوي 28,6 تريليون دينار ويطابق تقريباً النفقات الاستثمارية المقدرة في تلك الموازنة.
وبهذا فإن فلسفة هكذا موازنات تعني ان النفقات الاستثمارية واساسيات التنمية تخضع لاحتمالات تمويلها بالعجز وهي أكثر الفقرات هشاشة في دور الموازنات العامة في موضوع استدامة التنمية منذ 2004 بسبب ربط العجز المحتمل وتمويله المتعثر بالنفقات الاستثمارية.
فعادةً ما تنتهي السنة المالية بوفرة مالية ما تفتح شهية الانفاق التشغيلي وتطمين شهية صناع القرار ان البلاد في وفرة مالية، والحقيقة انها وفرة مالية(زائفة) على حساب(العجز) في تنفيذ وتشغيل الاستثمار الحقيقي في مشاريع التنمية وفقدان الاستدامة المالية.
الخلاصة
ونظراً لتعزيز دور الاستثمار الحكومي على حساب الاستثمار الخاص كنتيجة للعوامل الثلاثة أعلاه، من جانب، واعتماد الاستثمار الحكومي على العائدات النفطية بعد تغطية النفقات الاستهلاكية من جانب آخر، أضحى النمو الاقتصادي أسير العائدات النفطية.
ولأجل فك النمو الاقتصادي وتحريره من العائدات النفطية يتطلب الأمر العمل على
1- بناء نظام سياسي قادر على تحقيق الاستقرار وتغليب المصالح الوطنية على المصالح الفئوية.
2- محاربة الفساد وبناء بيئة استثمارية محفزة للاستثمارات الوطنية وجاذبة للاستثمارات الاجنبية.
3- تقوية الادارة الاقتصادية وذلك بما تسهم في توجيه الموارد نحو الاستثمار وتنويع القطاعات الاقتصادية.
4- توجيه العائدات النفطية نحو الاستثمار في البنية التحتية أو الصناديق السيادية.
مصادر تم الاعتماد عليها
1- وزارة التخطيط، خطة التنمية الوطنية للمدة 2018-2022، ص62.
2- مظهر محمد صالح، المالية العامة العراقية في مأزق سياسة التوافق– السير المزدوج، موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، ص4.
اضافةتعليق