الاقتصاد العراقي - من الصدمة المزدوجة إلى الصدمة الثلاثية

يختلف العراق عن باقي البلدان من حيث الصدمات التي يتعرض لها، كونه يتعرض في الغالب لصدمات مركبة وليست بسيطة كالتي تصيب البلدان الأخرى.

وإن الصدمة المزدوجة والثلاثية لم تكن وليدة الفراغ بل كانت نتيجة لتعاقب الأزمات التي لم يتم علاجها أو تجميد آثارها في وقتها وحسب بل يتم ترحيلها في الغالب للمستقبل وإذا بها تلتقي مع أزمات أخرى فأصبحت أزمات مركبة تحتاج لجهود استثنائية لعلاجها.   

وإذا ما استبعدنا الصدمات التي تعرض لها العراق قبل السقوط واعتبارها مرحلة مظلمة انقشعت بخيرها وشرها، سنجد العراق بعد عام 2003 ظل يعاني أيضاً من صدمات مركبة، وبالتأكيد إن جذور هذه الصدمات تمتد لما قبل السقوط ولمدة زمنية طويلة، ومع ذلك سنقتصر على الصدمات المركبة بعد السقوط.

وعلى الرغم من إيعاز هذه الصدمات لجذور ما قبل السقوط ولمدة زمنية طويلة، إلا إن عملية التحول نحو النظام الجديد بحد ذاتها تعد صدمة كونها لم تتم بشكل سليم يأخذ بعين الاعتبار تراكمات الماضي المتمثلة بثقافة العبودية والاتكالية سياسياً واقتصادياً لدى غالبية المجتمع، بمعنى إن الحل أصبح جزءاً من مشكلة! 

صدمة التحول

حيث تم تبني عملية التحول نحو النظام الجديد، من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، سياسياً ومن الدولة للقطاع الخاص، اقتصادياً بشكل مزدوج ومفاجئ بعيداً عن تهيئة المجتمع لاستقبال هذا التحول المزدوج المفاجئ، فكانت النتيجة عدم استقباله فضلاً عن عدم التفاعل معه، هذا ما دفع لضخامة الآثار التي خلفها، وجعل هذا التحول تحول شكلي وليس حقيقي.

هذا التحول المزدوج المفاجئ الشكلي، بالإضافة لجذور ما قبل السقوط، أصبح بمثابة الصدمة التي كانت حجر الأساس للصدمات المركبة، المزدوجة والثلاثية، اللاحقة كالتي حصلت عام 2014 و2020، وهذا ما يعطي انطباعا إن الصدمات في العراق صدمات تراكمية وليس صدمات عابرة بمرور الزمن كما هو الحال في البلدان الأخرى.

وتجدر الإشارة، إلى إن أغلب الصدمات في العراق كانت نتيجة لارتباط واعتماد الاقتصاد العراقي على الاقتصاد العالمي، وذلك بحكم اعتماد العراق على النفط، الذي أصبح سلعة دولية لا يمكن التحكم بأسعارها من قبل مالكيه، وتحدد أسعاره وفقاً لأسواق النفط الدولية، فأي ما يطرأ من اضطراب في هذه الأسواق لأسباب قد تكون سياسية أو مناخية أو تكنولوجية، ستضطرب أسعاره هي الأخرى وهذا الاضطراب سينسحب بشكل تلقائي للاقتصاد النفطية التي يشكل العراق جزءً منها.  

الصدمة المزدوجة، النفط وداعش

في الوقت الذي تجاوز العراق الصراعات الداخلية التي نشبت بين عاميّ 2006-2008 سرعان ما تعرض لآثار الأزمة المالية العالمية 2007/2008 عبر قناة أسعار النفط التي هوت إلى الثلاثينات بعد إن تجاوزت عتبة الـ 140 دولار للبرميل الواحد.

وفي الوقت الذي أخذ العراق يتعافى بشكل تدريجي أمنياً واقتصادياً سرعان ما تعرض لصدمة مزدوجة عام 2014 متمثلة بانخفاض أسعار النفط وسقوط ثلث مساحة العراق تحت سيطرة داعش الإرهابي.

ونظراً لاعتبار النفط الشريان الرئيس للاقتصاد العراقي، كما يدل على ذلك نسبة مساهمته التي تتجاوز 45% في الناتج المحلي الإجمالي، وتتجاوز نسبة الـ 90% من الإيرادات المالية العامة، وتتجاوز نسبة الـ 98% من الصادرات السلعية، فاضطراب أسعار النفط في الأسواق الدولية باتجاه الانخفاض، يعني تعرض الاقتصاد العراقي لأزمة مالية خانقة في ظل تواضع الإيرادات المالية الأخرى وتصاعد النفقات العامة وبالخصوص الجارية بالتزامن مع تنوع الاستيرادات وتركز الصادرات وغياب التنويع الاقتصادي.

صدمة داعش

ونتيجة لغياب الإدارة الوطنية في عام 2014 وما سبقها مما تسبب في غياب الاستقرار السياسي الذي انعكس بشكل تلقائي على الوضع الأمني، انطلاقاً من عدم التعاطي بشكل جيد مع التظاهرات في المناطق الغربية وصولاً لسقوط الموصل والمحافظات الغربية على يد عصابات داعش الإرهابية والتي لم يتخلص منها إلا عام 2017 بالتزامن مع زيادة أعداد النازحين الذين لا يزال ملف استعادتهم قيد الانتظار.

هذه الصدمة المزدوجة وما رافقها من أحداث بشعة تندى لها جبين الإنسانية كمجزرة سبايكر التي راح ضحيتها أكثر 2000 طالب قوة جوية، تسببت في إثارة الذعر والهلع لدى المدنيين والمستثمرين المحليين فضلاً الأجانب مما تسبب في تراجع النشاط الاقتصادي بشكل حاد، مما تسبب في زيادة البطالة والفقر.

الصدمة الثلاثية، رئيس الحكومة وكورونا والنفط 

لم تنجح الحكومات المتعاقبة في إدارة الملفات ذات العلاقة بالمواطن كفرص العمل والخدمات، بل إن تعاطيها مع الآثار المترتبة على غياب النجاح كان سيئاً للغاية، حيث قامت قواتها باستخدام القنابل الدخانية وخراطيم الماء الحار باتجاه معتصمي حملة الشهادات العليا وسقطت على أثرها إحدى المعتصمات مما أثارت الرأي العام تجاه الحكومة، ثم تلا ذلك قيامها بحملة غير مدروسة لإزالة العشوائيات وتخلية العقيد عبد الوهاب الساعدي من منصبه، رئيس جهاز مكافحة الإرهاب.

هذه أبرز الأحداث قبل انفجار الوضع العراقي في 1أكتوبر، ولم تُحسن الحكومة في التعاطي مع المحتجين مما تسبب في قتل المتظاهرين، وهذا ما أثار حفيظة الشارع العراقي وانطلق بتظاهرة كبيرة في 25 أكتوبر تنديداً بأفعالها وتحولت هذه التظاهرة لاعتصام مفتوح لحد الوقت الحاضر، دفعت هذه الثورة لاستقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، واستمرار الفشل في اختيار قبطان ملائم لإدارة المرحلة الحالية، ولا تزال سفينة العراق بلا قبطان يقودها نحو بر الأمان في ظل أزمتي كورونا والنفط.

صدمة كورونا

أما بالنسبة للصدمة الثانية المتمثلة بفيروس كورنا ذات التأثير الكبير على الاقتصاد العراقي، حيث أسهم في توقف النشاط الاقتصادي وارتفاع حجم البطالة والفقر، وذلك من خلال حظر التجوال الذي فرضه العراق لتجنب خطر هذا الفيروس خصوصاً وإن القطاع الصحي والطبي العراقي يعاني من الضعف في الأساس، بحيث لا يمتلك الإمكانات الكافية لمواجهة هذا الفيروس، خصوصاً وإن هذا الفيروس يتسم بسرعة الانتقال ولا تزال الدول ذات الإمكانات الكبيرة عاجزة من السيطرة عليه أو مواجهته باستثناء الصين استطاعت في المدة الأخيرة الحد من انتشاره بفعل الإجراءات الوقائية وليس بفعل اكتشاف علاج مناسب له.

كما وأسهم في ضرب الاقتصاد العالمي من خلال ضربه لثاني اكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية وهو الاقتصاد الصيني، ثم انتقاله لغالبية الدول الأخرى، مما جعل منظمة الصحة العالمية تطلق عليه "جائحة فيروسك كورونا"، وكنتيجة لعدم وجود علاج مناسب له لجأت أغلب دول العالم لحظر التجوال كآلية للحد من انتشاره، هذا ما دفع بالاقتصاد العالمي لحالة الركود الاقتصادي كما أشار صندوق النقد الدولي، بمعنى انخفاض الطلب العالمي على السلع والخدمات وبالخصوص النفط مما تسبب بانخفاض أسعاره وهذا ما أثر على الاقتصاد العراقي.

صدمة النفط

ترافق مع تأثير فيروس كورونا على أسعار النفط، حرب الأسعار النفطية في الربع الأول من هذا العام بين روسيا والسعودية اثر فشل الاتفاق فيما بينهم بخصوص استعادة تعافي أسعار النفط، حيث رفضت روسيا طلب السعودية بتخفيض الإنتاج، من أجل محاربة النفط الصخري الأمريكي، لان رفع الأسعار النفطية يجعل النفط الصخري الأمريكي يدخل دائرة الجدوى الاقتصادية وهذا ما ترفضه روسيا، مما دفع حليف أمريكا، السعودية، لإغراق السوق النفطية بالإمدادات النفطية وبالفعل هذا ما حصل مما أدى لانخفاض أسعار النفط لأقل من 25 دولار للبرميل للواحد،  وهذا ما شكل صدمة للاقتصاد العالمي عموماً والاقتصاد العراقي خصوصاً بحكم الاعتماد الكبير عليه.

إن فشل الاتفاق بين روسيا والسعودية بشأن تعافي أسعار النفط بالتزامن مع فيروس كورونا الذي ضرب الصين ثم انتقل لباقي دول العالم، دفعا لانخفاض أسعار النفط بشكل عام من جانب وانخفاض استيراد الصين للنفط العراقي بشكل خاص من جانب آخر، وكلا الأمرين أثرا بشكل كبير على الاقتصاد العراقي، لان الأخير يعتمد على النفط بنسبة كبيرة والصين تُعد المستورد الثاني للنفط العراقي بعد الهند، وهذا ما جعل الاقتصاد العراقي بشكل عام والموازنة العامة بشكل خاص في موقف لا يُحسد عليه.

لذا، فالاقتصاد العراقي بحاجة لعملية جراحية كبرى لاستئصال مرض الريعية حتى يستطيع تنويع اقتصاده إنتاجياً ومالياً حتى يستطيع القضاء أو الحد من الصدمات التي يتعرض لها.

التعليقات