كلمة حول الاقتصاد اللبناني والتحول المرتقب

يقدر سكان لبنان 6.849 مليون نسمة عام 2018، لمجموع المواطنين والمقيمين، ومعدل نموه مرتفع 3.17% سنويا في العقود الثلاثة الأخيرة. وحسب البيانات المنشورة في موقع البنك الدولي، نما الناتج المحلي الإجمالي لنفس المدة، بدءأ من عام 1988، بمعدل 4.46% سنويا. ومن تلك المؤشرات يتضح ان نمو الناتج (الدخل) بالمتوسط للفرد 1.25% سنويا، وهو منخفض. بمعنى ان لبنان أخفق في اللحاق التنموي وتراجع موقعه النسبي تجاه الدول المتقدمة.

متوسط الناتج المحلي للفرد 8270 دولار بالأسعار الجارية، عام 2018، اعلى من المتوسط في العالم العربي 6626 دولار للفرد. لكن عندما يقيم الناتج بالدولارات الدولية متعادلة القوة الشرائية ينخفض الناتج للفرد في لبنان الى 74% من المتوسط العربي لأن الأسعار في لبنان مرتفعة نسبيا.

العجز الخارجي، التجاري، من المشاكل الصعبة للاقتصاد اللبناني: في السنوات الأخيرة للحرب الأهلية 1989 – 1995 كان متوسط عجز الميزان التجاري، للسلع والخدمات، 64% من الناتج المحلي، وللسنوات 1996-2007 انخفض الى 24.4%، وبقي مقاربا لهذا المستوى منذ عام 2008 بمتوسط 24% من الناتج المحلي الإجمالي. والعجز الخارجي ليس مستقلا عن بنية الاقتصاد الوطني، بل هو مرآة لافتقار الاقتصاد اللبناني الى قاعدة عريضة في الإنتاج السلعي يرتكز اليها. فالصناعة التحويلية محدودة في طاقتها الإنتاجية تسهم بحوالي 7.76% من الناتج، وهي دون المتوسط للدول النامية بكثير. والزراعة بنسبة 2.92% من الناتج عام 2018.

  ولا يمكن ان يوصف هذا الاقتصاد بامتلاك مقومات ذاتية للاستمرار عندما تكون مجموع مشاركة الصناعة التحويلية والزراعة في توليد الدخل 10.68%، ولبنان من الدول النامية وتتطلب مرحلته في سلم التطور الاّ ينخفض اسهام الزراعة والصناعة التحويلية عن 30% من الناتج المحلي الإجمالي. لم يتمكن من الحفاظ على جدارته الإنتاجية في الزراعة ولم ينجح في التصنيع، هنا جوهر المشكلة التي ليس لها في الخطاب السياسي الحضور الذي يوازي خطورتها.

فالسياحة والخدمات المالية لا تكفي للنهوض بالاقتصاد، إنما التصنيع ولذلك لا توجد حلول آنية للتغلب على هذا التحدي الصعب. وقد أجّلت المعالجات قصيرة الأجل مواجهة الحقيقة، وربما تُجرّب مثل تلك التدابير مرة أخرى لكسب الوقت، لكن المشكلة يتزايد تعقيدها. قد ينتهي الاقتصاد اللبناني الى مأزق ما لم يبادر الشعب، كل الشعب، الى الاتحاد على تغيير جذري نحو اقتصاد انتاجي بمعنى الكلمة. ولبنان مؤهل حضاريا لأن يصنع أعجوبة اقتصادية ولا تعوزه المؤسسية، على الصعيد الاجتماعي – الثقافي، ولا الاستعداد للمبادرات الاستثمارية. ويبدو، انه بحاجة ماسة لإزالة العقبات السياسية عن طريق التطور الاقتصادي والعدالة الاجتماعية الحقة. وتفهم الشكوى من الفساد، التي بينتها الاحتجاجات، بان العلاقة بين أجهزة الدولة وقطاع الأعمال مريضة بالزبائنية والتخادم على حساب المصلحة العامة. وكانت معالجة هذه المشكلة نقطة البدء في تجربة كوريا الجنوبية مطلع ستينات القرن العشرين. 

ويعاني الاقتصاد اللبناني من عجز الموازنة العامة لمدة طويلة ما ادى الى تزايد الدين العام الذي بلغ ما يعادل 136% من الناتج المحلي الإجمالي تقريبا عام 2019. وعبء الدين الحكومي بهذا المقياس فوق المتوسط للدول النامية، وعندما تحاول الحكومة وضع حد له تضطر الى تقييد الأنفاق او زيادة الضرائب وتواجَه مثل هذه السياسات، عادة، بالنفور الاجتماعي.  ومن المهم الاشارة الى الدين الحكومي بالعملة الأجنبية، حوالي 32 مليار دولار يعادل تقريبا 240% من الصادرات، سلعا وخدمات. وهو مرتفع ايضا، ويقتضي خفضه إدامة فائض في الميزان التجاري الخارجي يعادل 20% من الصادرات لمدة تزيد على 12 سنة. ومع الحفاظ على سعر الصرف ثابت تلجأ السياسة الاقتصادية الى رسوم كمركية وتدابير أخرى لا يستسيغها المجتمع بسهولة. لكن احتياطيات البنك المركزي اللبناني من العملة الأجنبية كافية بكل المقاييس، 37.5 مليار دولار ومع الذهب 50.7 مليار دولار حسب بيانات البنك المركزي ليوليو، تموز، 2019. ولذا لا يُخشى على الاقتصاد اللبناني في مركزه المالي الدولي، لأن تلك الاحتياطيات تساعد كثيرا في ترصينه، بما في ذلك تدوير الدين الحكومي بالعملة الأجنبية.

 نقص الخدمات العامة متوقع طالما ان المكون الصلب للاقتصاد وهو الإنتاج السلعي بحجم صغير لا يقوى على تحمل قطاع كبير للخدمات، ولنفس السبب تعاني الموازنة العامة من صعوبات متزايدة لتمويل الأنفاق. ان التعويل على تلقائية الاقتصاد الحر، وآليات السوق لوحدها، من بين الأوهام التي ضيعت على كثير من الدول فرصا في الانجاز والارتقاء. ولوضع الاقتصاد الوطني على مسار آمن لا بد من التصنيع في إطار استراتيجية للتنمية الاقتصادية بعيدة الأمد.

التعليقات